وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ لِدُونِ نِصْفِ حَوْلٍ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ فَلَا حَظَّ لَهُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيِّ، وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ لِأَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالْحَمْلُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ قَيَّدَهُ بِصُلَحَائِهِمْ أَوْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ -
ــ
[رد المحتار]
غَنِيًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ لِأَنَّهُ صِلَةٌ لَا تُمَلَّكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَإِذَا جَاءَ يَوْمُ الْقِسْمَةِ وَكَانَ غَنِيًّا يَأْخُذُ مَا اسْتَحَقَّهُ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ بِصِفَةِ الْفَقْرِ لِأَنَّ طُرُوُّ الْغِنَى لَا يُبْطِلُ ذَلِكَ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْغَلَّةِ فَإِنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَظَّ لَهُ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْغَلَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ وَهُوَ حَمْلٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ) لِأَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الْمُحْتَاجُ وَالْحَمْلَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ يُدْخِلُ الْحَمْلَ لِتَعَلُّقِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالنَّسَبِ وَهُنَا بِالْفَقْرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ) هَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ هِلَالٍ. مَطْلَبُ تَفْسِيرٍ فِي الصَّالِحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَيَّدَهُ بِصُلَحَائِهِمْ) الصَّالِحُ: مَنْ كَانَ مَسْتُورًا وَلَمْ يَكُنْ مَهْتُوكًا، وَلَا صَاحِبَ رِيبَةٍ، وَكَانَ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ سَلِيمَ النَّاحِيَةِ كَامِنَ الْأَذَى، قَلِيلَ الشَّرِّ، لَيْسَ بِمُعَاقِرٍ لِلنَّبِيذِ وَلَا يُنَادِمُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ، وَلَا قَذَّافًا لِلْمُحْصَنَاتِ، وَلَا مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ فَهَذَا هُوَ الصَّلَاحُ عِنْدَنَا، وَمِثْلُهُ أَهْلُ الْعَفَافِ وَالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ، وَمَنْ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَلَا الْعَفَافِ إسْعَافٌ.
مَطْلَبُ الْمُرَادِ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) الْمُرَادُ بِالْأَقْرَبِ أَقْرَبُ النَّاسِ رَحِمًا لَا الْإِرْثُ وَالْعُصُوبَةُ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَذَكَرَ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يَعْتَبِرْ لَفْظَ أَقْرَبَ فِي التَّقْدِيمِ بَلْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبْعَدِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ إنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إلْغَاءُ صِيغَةِ أَفْعَلَ بِلَا دَلِيلٍ وَإِلْغَاءُ مَقْصُودِ الْوَاقِفِ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ. اهـ. فَالْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارُ الْأَقْرَبِيَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ، لَكِنْ أَفْتَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِخِلَافِهِ حَيْثُ شَارَكَ جَمِيعَ أَهْلِ الدَّرَجَةِ فِي وَقْفٍ اشْتَرَطَ فِيهِ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذُهُولٌ مِنْهُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَلِمْت.
وَفِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ: عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ مِنِّي أَوْ إلَيَّ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَهُ وَلَدٌ وَأَبَوَانِ فَهِيَ لِلْوَلَدِ وَلَوْ أُنْثَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَبَوَيْهِ، ثُمَّ تَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ دُونَ أَبَوَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَلَوْ لَهُ أَبَوَانِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ لَهُ أُمٌّ وَإِخْوَةٌ فَلِلْأُمِّ، وَكَذَا لَوْ لَهُ أُمٌّ وَجَدَّةٌ لِأَبٍ، وَلَوْ لَهُ جَدٌّ لِأَبٍ وَإِخْوَةٌ فَلِلْجَدِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لِلْإِخْوَةِ لِأَنَّ مَنْ ارْتَكَضَ مَعَهُ فِي رَحِمٍ أَوْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ صُلْبٍ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِمَّنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ وَلَوْ لَهُ أَبٌ وَابْنُ ابْنٍ فَلِلْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ النَّافِلَةِ، وَلَوْ لَهُ بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ فَلِبِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِرْثِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَقْرَبِ قَرَابَةٍ مِنِّي وَلَهُ أَبَوَانِ وَوَلَدٌ لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي الْوَقْفِ إذْ لَا يُقَالُ لَهُمْ قَرَابَةٌ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَقَارِبِي عَلَى أَنْ يَبْدَأَ بِأَقْرَبِهِمْ إلَيَّ نَسَبًا أَوْ رَحِمًا ثُمَّ مَنْ يَلِيهِ وَلَهُ أَخَوَانِ أَوْ أُخْتَانِ يَبْدَأُ بِمَنْ لِأَبَوَيْهِ ثُمَّ بِمَنْ لِأَبٍ؛ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِأَبٍ وَالْآخَرُ لِأُمٍّ يَبْدَأُ بِمَنْ لِأَبِيهِ عِنْدَهُ. وَقَالَا: هُمَا سَوَاءٌ، وَالْخَالُ أَوْ الْخَالَةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَعَكْسِهِ، وَالْعَمُّ أَوْ الْعَمَّةُ لِأَبَوَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ هُمَا سَوَاءٌ؛ وَمَنْ لِأَبٍ مِنْهُمَا أَوْلَى مِمَّنْ لِأُمٍّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ؛ وَحُكْمُ الْفُرُوعِ إذَا اجْتَمَعُوا مُتَفَرِّقِينَ كَحُكْمِ الْأُصُولِ. وَعِنْدَهُمَا قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ سَوَاءٌ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا أَوْ مُخْتَلَطِينَ، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute