فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ اسْتَوَيَا وَزْنًا وَصِفَةً، وَلَا مُقَايَضَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةَ دَارِهِ بِحِصَّةِ الْآخَرِ صَيْرَفِيَّةٌ وَلَا إجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى أَشْبَاهٌ
(وَيَكُونُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، أَمَّا الْقَوْلُ فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) وَهُمَا رُكْنُهُ
وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ
ــ
[رد المحتار]
بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ بَقَاءً، أَرَادَ إخْرَاجَ ذَلِكَ فَقَالَ: عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. اهـ.
قُلْتُ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي دُخُولِهِمَا تَحْتَ الْمُبَادَلَةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي النَّهْرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ الرَّجُلُ عَوَّضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ آخَر بِلَا شَرْطٍ فَهُوَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَعَ الْمُبَادَلَةِ لَكِنْ مِنْ جَانِبِ الثَّانِي، وَهَذَا يُوجَدُ كَثِيرًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَبْعَثُ إِلَيْهَا مَتَاعًا وَتَبْعَثُ لَهُ أَيْضًا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ هِبَةٌ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْعَارِيَّةَ رَجَعَ وَلَهَا أَيْضًا الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهَا قَصَدَتْ التَّعْوِيضَ عَنْ هِبَةٍ، فَلَمَّا لَمْ تُوجَدْ الْهِبَةُ بِدَعْوَى الْعَارِيَّةِ لَمْ يُوجَدْ التَّعْوِيضُ عَنْهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهُ شَيْئًا مَعِيبًا فَهُوَ هِبَةٌ ابْتِدَاءً مَعَ وُجُودِ الْمُبَادَلَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: اسْتَوَيَا وَزْنًا) أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِيهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِرِبَا الْفَضْلِ لَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَقَوْلُهُ: " وَصِفَةً " خَرَجَ مَا اخْتَلَفَا فِيهَا مَعَ اتِّحَادِ الْوَزْنِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا كَبِيرًا وَالْآخَرِ صَغِيرًا أَوْ أَحَدِهِمَا أَسْوَدَ وَالْآخَرِ أَبْيَضَ. قُلْتُ: وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الذَّخِيرَةِ: بَاعَ دِرْهَمًا كَبِيرًا بِدِرْهَمٍ صَغِيرٍ أَوْ دِرْهَمًا جَيِّدًا بِدِرْهَمٍ رَدِيءٍ جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، أَمَّا إذَا كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ: بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْحَاكِمُ الْإِمَامُ أَبُو أَحْمَدَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مُقَايَضَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ) أَيْ الْمُسْتَوِيَيْنِ: وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالشَّرِيكَيْنِ أَنَّ الدَّارَ مُشَاعَةٌ بَيْنَهُمَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَفْرُوزَةً عَنْ الْأُخْرَى فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمُقَايَضَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ رَغْبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعٌ مُفِيدٌ، بِخِلَافِ الْمُشَاعَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا إجَارَةَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ فَيَكُونُ بَيْعُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ نَسِيئَةً، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ.
(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ) أَيْ الْبَيْعُ مِنَحٌ، وَالْأَظْهَرُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَهُوَ بَيَانٌ لَهُ وَإِلَّا كَانَ تَكْرَارًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَهُمَا رُكْنُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَيُحْتَمَلُ إرْجَاعُهُ لِلْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْبَحْرِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: رُكْنُهُ الْمُبَادَلَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالَّانِ عَلَى التَّبَادُلِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ التَّعَاطِي، فَرُكْنُهُ الْفِعْلُ الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا بِتَبَادُلِ الْمِلْكَيْنِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. اهـ. وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ أَوَّلًا مَا يَشْمَلُ فِعْلَ اللِّسَانِ، وَبِالْفِعْلِ ثَانِيًا غَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ: الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا: أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَا يُنَافِي الرِّضَا كَإِكْرَاهٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ غَيْرُ الْبَيْعِ مَعَ أَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ عَيْنُهُ، وَإِذَا أَرْجَعْنَا الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَيَكُونُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لَا يَرِدُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْبَيْعِ حُكْمُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَهَاهُنَا أَبْحَاثٌ رَائِقَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) أَيْ بِكَوْنِهِمَا عَاقِلَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ. مَطْلَبٌ: شَرَائِطُ الْبَيْعِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ شَرَائِطَ الْبَيْعِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: شَرْطُ انْعِقَادٍ وَنَفَاذٍ وَصِحَّةٍ وَلُزُومٍ. فَالْأَوَّلُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: فِي الْعَاقِدِ، وَفِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَفِي مَكَانِهِ، وَفِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَشَرَائِطُ الْعَاقِدِ اثْنَانِ: الْعَقْلُ وَالْعَدَدُ، فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ، وَلَا وَكِيلٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، إلَّا فِي الْأَبِ وَوَصِيِّهِ وَالْقَاضِي، وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ، وَالرَّسُولِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْبُلُوغُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ، فَيَصِحُّ بَيْعُ الصَّبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute