(كَغَسْلٍ لِمَا تَحْتَهَا) فَيَكُونُ فَرْضًا يَعْنِي عَمَلِيًّا لِثُبُوتِهِ بِظَنِّيٍّ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ خُلَاصَةٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ مَجْمَعٍ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ فِي التَّصْحِيحِ مِنْ الْمُخْتَارِ وَالْأَصَحُّ وَالصَّحِيحُ.
ــ
[رد المحتار]
فَالْمُنَاسِبُ حِينَئِذٍ قَوْلُ النَّهْرِ: إنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. اهـ. أَيْ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ قَوْلِهِ الْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ، وَقَدْ أَوْضَحَ مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ فَيَكُونُ فَرْضًا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا سَيَأْتِي.
مَطْلَبٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ وَالْقَطْعِيِّ وَالْوَاجِبِ (قَوْلُهُ يَعْنِي عَمَلِيًّا) دَفْعٌ لِمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ، وَالْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَمَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ، وَهُوَ أَقْوَى نَوْعَيْ الْوَاجِبِ، فَهُوَ فَرْضٌ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ، وَيَلْزَمُ عَلَى تَرْكِهِ مَا يَلْزَمُ عَلَى تَرْكِهِ الْفَرْضَ مِنْ الْفَسَادِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ، فَلَا يُكَفَّرُ بِجَحْدِهِ كَمَا يُكَفَّرُ بِجَحْدِ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ؛ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْآخَرِ مِنْ الْوَاجِبِ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ الْفَسَادُ وَلَا مِنْ جُحُودِهِ الْإِكْفَارُ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ بِظَنِّيٍّ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيَّ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيَتَقَوَّى بِعِدَّةِ طُرُقٍ، وَيَكْفِي مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْعِصَابَةِ " فَإِنَّهُ كَالْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّ الْأَبْدَالَ لَا تُنَصَّبُ بِالرَّأْيِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا، وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا، وَقِيلَ: الْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَا الصَّلَاةُ بِدُونِهِ عِنْدَهُمَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ، فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي التَّجْرِيدِ وَالْغَايَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَغَيْرِهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَرِيحَ ذَلِكَ فَرْضٌ أَيْ عَمَلِيٌّ عِنْدَهُمَا وَاجِبٌ عِنْدَهُ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ بِمَعْنَى عَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ، لَكِنْ عِنْدَهُمَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ أَيْضًا، وَعِنْدَهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فَقَطْ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ، وَوُجُوبُ إعَادَتِهَا، فَهُوَ أَرَادَ الْوُجُوبَ الْأَدْنَى، وَهُمَا أَرَادَا الْوُجُوبَ الْأَعْلَى. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا بَعْدَ جَوَازِ التَّرْكِ فَقَيَّدَ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ أَيْضًا، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مَعَ تَصْحِيحِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا فَرْضٌ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقِيلَ: الْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مَعْنَاهُ عَدَمُ جَوَازِ التَّرْكِ لِرُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ إلَيْهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْوُجُوبِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
ثُمَّ رَأَيْت نُوحًا أَفَنْدِي نَقَلَهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ: مَعْنَى الْوُجُوبِ مُخْتَلَفٌ؛ فَعِنْدَهُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِدُونِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ. اهـ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ، فَقَدْ خَفِيَ عَلَى الشَّارِحِ وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ وَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمْ فَافْهَمْ.
هَذَا، وَقَدْ رَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُفِيدُهُ الْوَارِدُ فِي الْمَسْحِ عَلَيْهَا، فَعَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِهِ أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ. اهـ لَكِنْ قَالَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي حَوَاشِيهِ إنَّ قَوْلَهُ أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ وَقَوْلَهُمَا أَحْوَطُ. وَقَالَ فِي الْعُيُونِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا فَرْضٌ حَتَّى تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ: أَيْ إنَّ هَذَا التَّصْحِيحَ لَا يُعَارِضُ لَفْظَ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فُهِمَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ اتِّحَادِ مَعْنَى الْوُجُوبِ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ عِنْدَ الْكُلِّ، وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ وَأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute