وَامْتَنَعَ الْفَسْخُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ غَيْرَ إجَارَةٍ وَنِكَاحٍ وَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِالْفَسْخِ، الْمُخْتَارِ نَعَمْ السِّجَاعِيُّ، وَمَتَى زَالَ الْمَانِعُ
ــ
[رد المحتار]
قَبْلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَوْبَةٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ الشَّارِحُ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي أَرْبَعِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ عَبْدٍ لَزِمَ وَارْتَفَعَ الْفَسَادُ إلَّا فِي مَسَائِلَ: أَجَرَ فَاسِدًا فَأَجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ صَحِيحًا فَلِلْأَوَّلِ نَقْضُهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ لَوْ بَاعَ صَحِيحًا فَلِلْمُكْرَهِ نَقْضُهُ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا إذَا أَجَرَ فَلِلْبَائِعِ نَقْضُهُ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ فِي تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأُولَى لِعَدَمِ دُخُولِهَا وَكَذَا الثَّانِيَةُ لِاحْتِرَازِ الْمَتْنِ عَنْهَا، وَالصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ حَيْثُ قَالَ غَيْرَ إجَارَةٍ وَنِكَاحٍ اهـ ح.
قُلْت: وَالضَّمَائِرُ فِي نَقْضِهِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلُ بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَكَذَا إذَا زَوَّجَ: أَيْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ نَقْضُ الْبَيْعِ لَا التَّزْوِيجِ، فَلَا يُنَافِي فِي مَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ وَأَرَادَ بِهِ نَحْوَ التَّدْبِيرِ، وَمَا لَوْ جَعَلَهُ مَهْرًا أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ أَوْ إجَارَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ النُّقَايَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ بَاعَهُ (قَوْلُهُ غَيْرَ إجَارَةٍ وَنِكَاحٍ) أَيْ فَلَا يَمْنَعَانِ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنْ الْأَعْذَارِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ فِيهِ إخْرَاجٌ عَنْ الْمِلْكِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ هَلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ الَّذِي عَقَدَهُ الْمُشْتَرِي كَمَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ أَمْ لَا؟ (قَوْلُهُ الْمُخْتَارُ نَعَمْ وَلْوَالِجِيَّةٌ) مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ مِنْ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ، وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ. وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى إلَّا الْإِجَارَةَ وَتَزْوِيجَ الْأَمَةِ، لَكِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِالِاسْتِرْدَادِ دُونَ النِّكَاحِ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ: لَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ لِلْفَسَادِ وَأَخَذَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ مَعَ نُقْصَانِ التَّزْوِيجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَدَّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا أَخَذَهُ مِنْ النُّقْصَانِ. وَفِي السِّرَاجِ لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِالْأَعْذَارِ وَقَدْ عَقَدَهُ الْمُشْتَرِي وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ. وَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عِبَارَةَ السِّرَاجِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: لَوْ زَوَّجَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ ثُمَّ قَبَضَهَا وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَبْطُلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا. اهـ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي السِّرَاجِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْ يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. اهـ.
مَا فِي الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ، وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ أَنَّ الْفَرْقَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجِيِّ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَلَامُ السِّرَاجِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ الْمُفِيدُ لِلْمِلْكِ ثُمَّ رَأَيْت ط نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ، وَكَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ حَيْثُ قَالَ الْعَجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ فِيمَا عُقِدَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كُلٍّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ فَكَيْفَ يُسْتَشْكَلُ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَلَئِنْ كَانَ كَلَامُ السِّرَاجِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ، فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ فَاسِدَ الْبَيْعِ كَجَائِزِهِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت: وَيَكْفِينَا مَا أَسْمَعْنَاك نَقْلَهُ عَنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مُطْلَقِ الْبَيْعِ بَلْ مُرَادُهُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ صُورَةً إمَّا أَنْ يَنْتَقِضَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ بِالْخِيَارِ أَوْ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْأَوَّلَيْنِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَصْلًا فَتَخْصِيصُهُ الْحُكْمَ بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، فَإِذَا زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ يَظْهَرُ بُطْلَانُ النِّكَاحِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ زَوَّجَهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِفَسْخِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ الْجَارِيَةُ قَبْلَ قَبْضِهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ بُيُوعِ الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute