فَقَدْ مَلَكَ الْمَأْمُورُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى خِلَافِ هَذَا إمَّا رِوَايَةٌ أَوْ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ كَمَا بَسَطَهُ الْعِمَادِيُّ (أَوْ وَقَفَهُ) وَقْفًا صَحِيحًا، لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ حِينَ وَقَفَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ.
وَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَلَى خِلَافِ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْصَى) أَوْ تَصَدَّقَ (بِهِ) نَفَذَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ
ــ
[رد المحتار]
الْكَلَامُ كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ الْبَيْعِ لِيَصِحَّ الْعِتْقُ عَنْ الْآمِرِ، وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ عَنْ الْمُشْتَرِي تَقْتَضِي أَنْ يُقَدَّرَ الْقَبْضُ سَابِقًا عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ الْبَائِعَ بِالْعِتْقِ فَقَطْ طَلَبَ أَنْ يُسَلِّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ، وَإِذَا أَعْتَقَ الْبَائِعُ بِأَمْرِهِ صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا قَبْضًا سَابِقًا عَلَيْهِ اهـ فَافْهَمْ.
مَطْلَبٌ يَمْلِكُ الْمَأْمُورُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ
(قَوْلُهُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ) فَإِنَّ الْآمِرَ وَهُوَ الْمُشْتَرِي لَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الطَّحْنُ وَالذَّبْحُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَأْمُورَ وَهُوَ الْبَائِعُ وَهُوَ الْبَائِعُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّحْنِ وَالذَّبْحِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْفَسْخُ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ كَمَا مَرَّ، وَفِي فِعْلِهِ ذَلِكَ تَقْرِيرُهَا، فَقَدْ اسْتَوَى الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ فِي ذَلِكَ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَسْأَلَةَ الْأَمْرِ بِالْعِتْقِ فَقَطْ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ عَجِيبَةٌ حَيْثُ مَلَكَ الْمَأْمُورُ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْآمِرُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْثَمُ بِالْعِتْقِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا، وَلَكِنْ الَّذِي مَلَكَهُ هُوَ دُونَ الْآمِرِ وَإِنَّمَا هُوَ نَفَاذُ الْعِتْقِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي بَاقِي تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ.
[تَنْبِيهٌ] لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظِيرٌ يَمْلِكُ الْمَأْمُورُ فِيهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ، وَهُوَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ أَوْ أَمَرَ الْمُسْلِمُ بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ شِرَائِهِمَا - ذِمِّيًّا، أَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ جَعَلَ الْعِتْقَ عَنْ الْبَائِعِ وَالدَّقِيقَ وَالشَّاةَ لَهُ أَيْضًا؛ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الْعِمَادِيُّ) وَأَقَرَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَقْفًا صَحِيحًا) فَلَوْ فَاسِدًا كَأَنْ اشْتَرَطَ فِيهِ بَيْعَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ ط (قَوْلُهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ) عَطْفٌ لَازِمٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَفَهُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَقَفَهُ أَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ مَا لَمْ يُبْنَ. اهـ. ح أَيْ فَالْمَانِعُ مِنْ الْفَسْخِ هُوَ الْبِنَاءُ (قَوْلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ) حَمَلَهُ فِي النَّهْرِ عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْنِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّغْلِيطِ ح، وَحَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُقْضَ بِهِ، أَمَّا إذَا قَضَى بِهِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ لِلُزُومِهِ. قُلْت: لَكِنَّ الْمَسْجِدَ يَلْزَمُ بِدُونِ الْقَضَاءِ اتِّفَاقًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ أَوْ رَهَنَهُ) أَيْ وَسَلَّمَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ أَوْ أَوْصَى بِهِ) أَيْ ثُمَّ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنَحٌ (قَوْلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ وَسَلَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ (قَوْلُهُ نَفَذَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ) أَيْ لَزِمَ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ النَّافِذَ مَا قَابَلَ الْمَوْقُوفَ وَاللَّازِمَ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ، وَهَذَا فِيهِ خِيَارُ الْفَسَادِ، وَبِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَزِمَ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ الْمُصَنِّفَ حَيْثُ جَعَلَ فَاعِلَ نَفَذَ هُوَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْفَاعِلَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِذَا أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ، وَالِاسْتِرْدَادُ حَقُّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِفَقْرِهِ فَقَدْ فَوَّتَ الْمُكْنَةَ بِتَأْخِيرِ التَّوْبَةِ. اهـ.
مُلَخَّصًا: أَيْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَانَ هُوَ التَّوْبَةَ بِالْفَسْخِ وَالِاسْتِرْدَادِ وَبِتَأْخِيرِهِ إلَى وُجُودِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ عَبْدٍ يَكُونُ قَدْ فَوَّتَ مُكْنَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ فَتَعَيَّنَ لُزُومِ الْقِيمَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقَرَّرَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهَا إلَّا بِالتَّوْبَةِ وَإِنَّ الْفَسْخَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute