لَا عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْأَصَحِّ، بَلْ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي غَيْرُ مُتَعَيِّنٌ، وَلَا يَضُرُّ تَعْيِينُهُ فِي الْأَوَّلِ كَمَا أَفَادَهُ سَعْدِيٌّ (لَا) يَطِيبُ (لِلْمُشْتَرِي) مَا رَبِحَ فِي بَيْعٍ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِأَنْ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِعَيْنِهِ فَتَمَكَّنَ الْخُبْثُ فِي الرِّبْحِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ (كَمَا طَابَ رِبْحُ مَالٍ ادَّعَاهُ) عَلَى آخَرَ فَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ (فَقَضَى لَهُ) أَيْ أَوْفَاهُ إيَّاهُ (ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ بِتَصَادُقِهِمَا) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكًا مِلْكًا فَاسِدًا، وَالْخُبْثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ إنَّمَا يَعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَأَمَّا الْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَالْغَصْبِ فَيَعْمَلُ فِيهِمَا كَمَا بَسَطَهُ خُسْرو وَابْنُ الْكَمَالِ.
ــ
[رد المحتار]
وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِنَّمَا طَابَ إلَخْ أَوْرَدَهُ فِي صُورَةِ جَوَابٍ عَمَّا اسْتَشْكَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرُهُمْ، مِنْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُتُونِ مِنْ أَنَّ الرِّبْحَ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ النَّقْدِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ إنَّ تَعَيُّنَهَا فِيهِ هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْبَائِعِ فِيمَا قَبَضَ.
وَقَدْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ سَعْدِي جَلَبِي فِي حَاشِيَةِ الْعِنَايَةِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَهُوَ أَنَّهُ يَطِيبُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي الصَّحِيحِ لَا فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ الْفَاسِدِ اهـ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ فَاسِدًا وَقَبَضَ دَرَاهِمَ الثَّمَنِ ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ يَجِبُ رَدُّ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ بِعَيْنِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ تَعَيُّنُهَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ فَلَوْ اشْتَرَى بِهَا عَبْدًا مَثَلًا شِرَاءً صَحِيحًا طَابَ لَهُ مَا رَبِحَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي هَذَا الْعَقْدِ الثَّانِي لِكَوْنِهِ عَقْدًا صَحِيحًا، حَتَّى لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا وَقْتَ الْعَقْدِ لَهُ دَفْعُ غَيْرِهَا فَعَدَمُ تَعَيُّنِهَا فِي هَذَا الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْأَصَحِّ تَعَيُّنَهَا فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ. وَقَدْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ الْعَلَّامَةُ سَعْدِي قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ إنِّي فِي عَجَبٍ عَجِيبٍ مِنْ فَهْمِ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ التَّنَاقُضَ مِنْ مِثْلِ هَذَا مَعَ ظُهُورِهِ.
(قَوْلُهُ لَا عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ) أَيْ الْقَائِلَةِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ فِي بَيْعٍ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ) أَرَادَ بِالْبَيْعِ الْمَبِيعَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ كَالْعَبْدِ مَثَلًا إلَى وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ طَيِّبِ الرِّبْحِ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ أَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهِ، وَالنَّقْدُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ نَفْسِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ، وَمُفَادُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعَ مُقَابَضَةٍ لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَدَلَيْنِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ كَانَ عَقْدَ صَرْفٍ يَطِيبُ لَهُمَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّ الصَّحِيحَ تَعَيُّنُهُ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ فَسَادِهِ وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ الْخَلَّاطِيِّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ اهـ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ) تَصْوِيرٌ لِظُهُورِ الرِّبْحِ فَلَا يَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ الزَّائِدُ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ، وَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ عَقْدٍ. وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ وَاتَّجَرَ وَرَبِحَ بَعْدَهُ أَيْضًا يَطِيبُ لَهُ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ط، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ كَمَا طَابَ إلَخْ) صُورَتُهُ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا: لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ الَّتِي قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا دَيْنُهُ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالْإِقْرَارِ عِنْدَ الدَّعْوَى ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الدَّيْنُ، وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ مِلْكًا فَاسِدًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ أَوْ ثَوْبٍ ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ وَاسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ يَصِحُّ عِتْقُ الْعَبْدِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكًا لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ إذْ لَا عِتْقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكًا) كَذَا فِيمَا رَأَيْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ بِنَصْبِ مَمْلُوكًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ النَّهْرِ: وَفِي بَعْضِهَا بِالرَّفْعِ وَهُوَ الصَّوَابُ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي رَفْعِ خَبَرِ إنَّ (قَوْلُهُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ) كَالْعُرُوضِ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالنُّقُودِ، وَمَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ كَالْغَصْبِ) وَكَالْوَدِيعَةِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُودِعُ فِي الْعَرْضِ أَوْ النَّقْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute