وَقَالَ الْكَمَالُ: لَوْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِي دَعْوَاهُ الدَّيْنَ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ. وَفِيهِ: الْحَرَامُ يَنْتَقِلُ، فَلَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ بِلَا رِضَاهُ وَأَخْرَجَهُ إلَيْنَا مَلَكَهُ وَصَحَّ بَيْعُهُ، لَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ لِفَسَادِ عَقْدِهِ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ لِصِحَّةِ عَقْدِهِ. وَفِي حَظْرِ الْأَشْبَاهِ: الْحُرْمَةُ تَتَعَدَّدُ
ــ
[رد المحتار]
يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَمَالُ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا) ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ فَتْحٌ: أَيْ فَلَا يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَعَيَّنَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ) بِتَصْرِيحِهِمْ فِي الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ، أَمَّا لَوْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَطِيبُ لَهُ رِبْحُهُ، وَيُحْمَلُ الْكَلَامُ هَاهُنَا عَلَى مَا إذَا ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا بِالْإِرْثِ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ وَكِيلَهُ أَوْفَاهُ لِأَبِيهِ فَتَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَحِينَئِذٍ يَطِيبُ لَهُ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرَّمْلِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُ مَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ الْحَرَامُ يَنْتَقِلُ) أَيْ تَنْتَقِلُ حُرْمَتُهُ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَتَبَدَّلَتْ الْأَمْلَاكُ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ) فَيَكُونُ بِشِرَائِهِ مِنْهُ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ، وَفِي شِرَائِهِ تَقْرِيرٌ لِلْخُبْثِ، وَيُؤْمَرُ بِمَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ الْبَائِعُ مِنْ رَدِّهِ عَلَى الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ إنَّمَا كَانَ لِمُرَاعَاةِ مِلْكِ الْحَرْبِيِّ وَلِأَجْلِ غَدْرِ الْأَمَانِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ الَّذِي أَخْرَجَهُ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَأْمُورًا بِهِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ حُكْمُهُ مَقْصُودٌ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ، كَذَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسِ بَعْدَ الْمِائَةِ.
مَطْلَبُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ (قَوْلُهُ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ لِصِحَّةِ عَقْدِهِ) فِيهِ أَنَّ عَقْدَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى صَحِيحٌ أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا لِلْإِسْبِيجَابِيِّ بِدُونِ هَذَا التَّعْلِيلِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ شِرَاؤُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا إذَا أَرَادَ بَيْعَ الْمُشْتَرَى بَعْدَ الْقَبْضِ يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ وَإِنْ نَفَذَ فِيهِ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبٍ حَرَامٍ شَرْعًا. اهـ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَى الْحَرْبِيِّ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ تَمَكَّنَ الْخُبْثُ فِيهِ فَلَمْ يَطِبْ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا كَالْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ رَدَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ بَقَاءِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ كَمَا قَدَّمْنَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فِيهِ فَلِذَا طَابَ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ نَفْسَ الشِّرَاءِ مَكْرُوهٌ لِحُصُولِهِ لِلْبَائِعِ بِسَبَبٍ حَرَامٍ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إعْرَاضًا عَنْ الْفَسْخِ الْوَاجِبِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
مَطْلَبٌ الْحُرْمَةُ تَتَعَدَّدُ (قَوْلُهُ الْحُرْمَةُ تَتَعَدَّدُ إلَخْ) نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ سَيِّدِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمِنَنِ: وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنِيفَةِ مِنْ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَتَعَدَّى ذِمَّتَيْنِ، سَأَلْت عَنْهُ الشِّهَابَ ابْنَ الشَّلَبِيِّ فَقَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، أَمَّا لَوْ رَأَى الْمَكَّاسَ مَثَلًا يَأْخُذُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ الْمَكْسِ ثُمَّ يُعْطِيهِ آخَرَ ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ الْآخَرِ آخَرَ فَهُوَ حَرَامٌ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute