وَذِكْرُ الْأَخِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ لِزِيَادَةِ التَّنْفِيرِ نَهْرٌ، وَهَذَا (بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَبْلَغِ الثَّمَنِ) أَوْ الْمَهْرِ (وَإِلَّا لَا) يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ، «وَقَدْ بَاعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ» (وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) بِمَعْنَى الْمَجْلُوبِ أَوْ الْجَالِبِ، وَهَذَا (إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ يُلَبِّسُ السِّعْرَ) عَلَى الْوَارِدِينَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ فَيُكْرَهُ لِلضَّرَرِ وَالْغَرَرِ (أَمَّا إذَا انْتَفَيَا فَلَا) يُكْرَهُ.
(وَ) كُرِهَ (بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) وَهَذَا (فِي حَالَةِ قَحْطٍ وَعَوَزٍ وَإِلَّا لَا) لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ، قِيلَ الْحَاضِرُ الْمَالِكُ وَالْبَادِي الْمُشْتَرِي وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُمَا السِّمْسَارُ وَالْبَائِعُ لِمُوَافَقَتِهِ آخِرَ الْحَدِيثِ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»
ــ
[رد المحتار]
وَصُورَةُ السَّوْمِ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِثَمَنٍ وَيَقَعَ الرُّكُونُ بِهِ فَيَجِيءَ آخَرُ فَيَدْفَعَ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ أَوْ مِثْلَهُ. وَصُورَةُ الْبَيْعِ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى ثَمَنِ سِلْعَةٍ فَيَقُولَ آخَرُ أَنَا أَبِيعُكَ مِثْلَهَا بِأَنْقَصَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي السَّوْمِ الْإِجَارَةُ، إذْ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ (قَوْلُهُ بَلْ لِزِيَادَةِ التَّنْفِيرِ) ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ عَلَى السَّوْمِ يُوجِبُ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهُوَ فِي حَقِّ الْأَخِ أَشَدُّ مَنْعًا. قَالَ فِي النَّهْرِ كَقَوْلِهِ فِي الْغَيْبَةِ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» ، إذْ لَا خَفَاءَ فِي مَنْعِ غَيْبَةِ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ «وَقَدْ بَاعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَحًا وَحِلْسًا» إلَخْ) رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ فِي حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْحِلْسُ كِسَاءٌ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ تَحْتَ رَحْلِهِ جَمْعُهُ أَحْلَاسٌ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَالْحِلْسُ بِسَاطٌ يُبْسَطُ فِي الْبَيْتِ (قَوْلُهُ وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَهُ بِالْجَلَبِ؛ لِأَنَّ الرُّكْبَانَ جَمْعُ رَاكِبٍ، لَكِنْ الَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُغْرِبِ تَفْسِيرُهُ بِالْمَجْلُوبِ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلِلتَّلَقِّي صُورَتَانِ:
إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ الْمُشْتَرُونَ لِلطَّعَامِ مِنْهُمْ فِي سَنَةِ حَاجَةٍ لِيَبِيعُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِزِيَادَةٍ. وَثَانِيهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِالسِّعْرِ (قَوْلُهُ لِلضَّرَرِ وَالْغَرَرِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، فَالضَّرَرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْغَرَرُ بِتَلْبِيسِ السِّعْرِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ.
(قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا فَتْحٌ. وَالْحَاضِرُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ خِلَافِ الْبَدْوِ " فَالْبَادِي مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَيْ الْبَرِّيَّةِ، وَيُقَالُ حَضَرِيٌّ وَبَدْوِيٌّ نِسْبَةٌ إلَى الْحُضُورِ وَالْبَدْوِ (قَوْلُهُ فِي حَالَةِ قَحْطٍ وَعَوَزٍ) الْقَحْطُ: انْقِطَاعُ الْمَطَرِ. وَالْعَوَزُ: بِتَحْرِيكِ الْوَاوِ الْحَاجَةُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَوِزَ الشَّيْءُ عَوَزًا مِنْ بَابِ تَعِبَ عَزَّ فَلَمْ يُوجَدْ، وَعُزْت الشَّيْءَ أَعُوزُهُ مِنْ بَابِ قَالَ احْتَجْت إلَيْهِ فَلَمْ أَجِدْهُ (قَوْلُهُ قِيلَ الْحَاضِرُ الْمَالِكُ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ الْإِضْرَارِ بِهِمْ. اهـ، أَيْ بِأَهْلِ الْبَلَدِ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا التَّفْسِيرِ مَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ أَنَّ أَعْرَابًا قَدِمُوا الْكُوفَةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَمْتَارُوا مِنْهَا وَيَضُرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ امْنَعْهُمْ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْبَلْدَةِ يَمْنَعُونَ عَنْ الشِّرَاءِ لِلْحُكْرَةِ فَهَذَا أَوْلَى. اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا السِّمْسَارُ وَالْبَائِعُ) بِأَنْ يَصِيرَ الْحَاضِرُ سِمْسَارًا لِلْبَادِي الْبَائِعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ أَنْ يَمْنَعَ السِّمْسَارُ الْحَاضِرُ الْقَرَوِيَّ مِنْ الْبَيْعِ وَيَقُولَ لَهُ: لَا تَبِعْ أَنْتَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَيَتَوَكَّلَ لَهُ وَيَبِيعَ وَيُغَالِيَ، وَلَوْ تَرَكَهُ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ لَرَخَّصَهُ عَلَى النَّاسِ (قَوْلُهُ لِمُوَافَقَتِهِ آخِرَ الْحَدِيثِ) وَالْمُوَافَقَةُ لِتَفْسِيرِ رَاوِي الْحَدِيثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ (قَوْلُهُ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» ) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ «دَعُوا النَّاسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute