للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ لِكَوْنِهِ أَكَلَ مِلْكَهُ (وَمِثْلُهُ الْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ) بِشَرْطِ الْوَزْنِ وَالْعَدِّ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ لِلْبَائِعِ بِخِلَافِهِ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لِلْمُشْتَرِي وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ (غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْوَزْنِ كَبَيْعِ التَّعَاطِي فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الْمَوْزُونَاتِ إلَى وَزْنِ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَيْعًا بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْوَزْنِ قُنْيَةٌ

ــ

[رد المحتار]

عَمْرٌو مِنْ بَكْرٍ لَا بُدَّ مِنْ كَيْلٍ آخَرَ لِبَكْرٍ، فَهُنَا فَسَدَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ: وَنَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ، وَقَدْ قَبَضَهُ بِلَا كَيْلٍ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَكَلَ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ آثِمٌ لِتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْكَيْلِ، فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ أَصْلًا فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا فَمَلَكَهَا ثُمَّ أَكَلَهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ يُقَالُ فِيهِ أَكَلَ حَرَامًا اهـ مَا فِي الْفَتْحِ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا حَرُمَ الْفِعْلُ وَهُوَ الْأَكْلُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَكَلَ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمَأْكُولُ حَرَامًا كَالْمَيْتَةِ وَمِلْكِ الْغَيْرِ وَقَدْ لَا يَكُونُ حَرَامًا كَمَا هُنَا وَكَالْمُشْتَرَى فَاسِدًا بَعْدَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَسَرَقَ مِنْهُمْ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا مَلَكَهُ مِلْكًا خَبِيثًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا وَاسْتَهْلَكَهُ بِخَلْطٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى مَلَكَهُ وَلَمْ يُؤَدِّ ضَمَانَهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَعْدُودُ) أَيْ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فَتْحٌ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ قَبْلَ الْعَدِّ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا كَذَا فِي السِّرَاجِ وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ حَرُمَ أَوْ لِقَوْلِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِفَسَادِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ بِالنَّهْيِ الْمَارِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْمَبِيعِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَنَصَّ عَلَى الْفَاسِدِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُجَازَفَةٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ، وَقَوْلُهُ: بِشَرْطِ الْوَزْنِ وَالْعَدِّ أَيْ لَوْ اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَهُ: أَيْ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا كَانَ يَظُنُّهُ بِأَنْ ابْتَاعَ صُبْرَةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَشَرَةٌ فَظَهَرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَمِثْلُ الشِّرَاءِ مُجَازَفَةً مَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ كَمَا مَرَّ أَوْ بِزِرَاعَةٍ أَوْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا كُرٌّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ، وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ، لَكِنَّهُ شِرَاءٌ صُورَةً عَارِيَّةٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ مَا يَرُدُّهُ عَيْنُ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا فَكَانَ تَمْلِيكًا بِلَا عِوَضٍ حُكْمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدَ هَؤُلَاءِ مُكَايَلَةً فَلَا بُدَّ مِنْ كَيْلِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ سَقَطَ كَيْلُ الْبَائِعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُكَايَلَةً ثُمَّ بَاعَهَا مُجَازَفَةً قَبْلَ الْكَيْلِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَاطِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ بَائِعِهِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ اهـ.

وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِهِ مُجَازَفَةً مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ اشْتَرَى مُكَايَلَةً. (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْوَزْنِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِيضَاحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي عَقْدِ صَرْفٍ أَوْ سَلَمٍ، وَإِلَّا فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ثَمَنٌ وَيَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ. (قَوْلُهُ: كَبَيْعِ التَّعَاطِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ بَيْعِ التَّعَاطِي أَمَّا هُوَ فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَخْ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَهَذَا كُلُّهُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَوْزُنَاتِ بَلْ التَّعَاطِي فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ كَذَلِكَ، وَهُوَ مُفَادُ التَّعْلِيلِ أَيْضًا بِأَنَّهُ صَارَ بَيْعًا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ لَا يَخُصُّ الْمَوْزُونَاتِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بَيْعًا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبْضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ، وَلَمْ يَقْبِضْ صَحَّ، وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ عَنْ الْقُنْيَةِ دَفَعَ إلَى بَائِعِ الْحِنْطَةِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ حِنْطَةً، وَقَالَ لَهُ بِكَمْ تَبِيعُهَا فَقَالَ مِائَةً بِدِينَارٍ فَسَكَتَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ لِيَأْخُذَهَا فَقَالَ الْبَائِعُ غَدًا أَدْفَعُ لَك، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي فَجَاءَ غَدًا لِيَأْخُذَ الْحِنْطَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>