وَنَقَلْت عَنْ التَّلْوِيحِ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ، وَعَقَدَ لَهُ قَاضِي خَانْ فَصْلًا آخِرَ الْإِكْرَاهِ، مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ، وَجَعَلَهُ الْبَاقَانِيُّ فَاسِدًا -
ــ
[رد المحتار]
أَيْ بِأَنْ يَقُولَ إنِّي أَبِيعُ هَازِلًا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ اهـ، فَالْهَزْلُ أَعَمُّ مِنْ التَّلْجِئَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ سَابِقًا وَمُقَارِنًا، وَالتَّلْجِئَةُ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ اضْطِرَارٍ وَلَا تَكُونُ مُقَارِنَةً كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاصْطِلَاحِ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: التَّلْجِئَةُ هِيَ الْهَزْلُ، وَكَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ عَلَى الْمَنَارِ لِلْكَاكِيِّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّلْجِئَةَ تَكُونُ فِي الْإِنْشَاءِ وَفِي الْإِخْبَارِ كَالْإِقْرَارِ، وَفِي الِاعْتِقَادِ كَالرِّدَّةِ وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ: مَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَمَا لَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْمَنَارِ، وَالْغَرَضُ الْآنَ بَيَانُ الْإِنْشَاءِ الْمُحْتَمِلِ لِلْفَسْخِ كَالْبَيْعِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْهَزْلُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، أَوْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ جِنْسِهِ.
قَالَ فِي الْمَنَارِ فَإِنْ تَوَاضَعَا عَلَى الْهَزْلِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ: أَيْ بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ أَيْ فَلَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ: أَيْ بِأَنْ قَالَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَدْ أَعْرَضْنَا وَقْتَ الْبَيْعِ عَنْ الْهَزْلِ إلَى الْجِدِّ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالْهَزْلُ بَاطِلٌ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ عِنْدَ الْبَيْعِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ فِي الْحَالَيْنِ خِلَافًا لَهُمَا، فَجَعْلُ صِحَّةِ الْإِيجَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمُوَاضَعَةَ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَا يُنَاقِضُهَا: أَيْ كَمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْ الْمُوَاضَعَةُ فِي الْقَدْرِ: أَيْ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى الْجِدِّ فِي الْعَقْدِ بِأَلْفٍ لَكِنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا هَزْلٌ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ كَانَ الثَّمَنُ أَلْفَيْنِ لِبُطْلَانِ الْهَزْلِ بِإِعْرَاضِهِمَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمُوَاضَعَةِ أَوْ اخْتَلَفَا فَالْهَزْلُ بَاطِلٌ وَالتَّسْمِيَةُ لِلْأَلْفَيْنِ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ وَاجِبٌ وَالْأَلْفُ الَّذِي هَزَلَا بِهِ بَاطِلٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْجِدُّ، وَعِنْدَهُمَا الْمُوَاضَعَةُ؛ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَالثَّمَنُ أَلْفَانِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْهَزْلُ فِي الْجِنْسِ: أَيْ جِنْسِ الثَّمَنِ بِأَنْ تَوَاضَعَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَإِنَّمَا الثَّمَنُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِالِاتِّفَاقِ: أَيْ سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ أَوْ عَلَى الْإِعْرَاضِ، أَوْ عَلَى عَدَمِ حُضُورِ شَيْءٍ مِنْهُمَا، أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا اهـ، مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِ الشَّارِحِ عَلَيْهِ. وَمِنْ حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِهِ الْمُسَمَّاةِ بِنَسَمَاتِ الْأَسْحَارِ عَلَى إفَاضَةِ الْأَنْوَارِ، وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا أَوْ يَخْتَلِفَا، فَإِنْ اتَّفَقَا فَالِاتِّفَاقُ إمَّا عَلَى إعْرَاضِهَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَائِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى ذُهُولِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَإِعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا عَلَى إعْرَاضِ أَحَدِهِمَا وَذُهُولِ الْآخَرِ، فَصُوَرُ الِاتِّفَاقِ سِتَّةٌ؛ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَدَعْوَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَكُونُ، إمَّا إعْرَاضُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُمَا، وَإِمَّا ذُهُولُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُ مَعَ إعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا إعْرَاضُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا ذُهُولُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ إعْرَاضُهُ تَصِيرُ تِسْعَةً، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ التَّقَادِيرِ التِّسْعَةِ يَكُونُ اخْتِلَافُ الْخَصْمِ بِأَنْ يَدَّعِيَ إحْدَى الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ فَتَصِيرُ أَقْسَامُ الِاخْتِلَافِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ اهـ. وَهِيَ مَعَ السِّتِّ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ. قُلْت: وَقَدْ أَوْصَلْتهَا فِي حَاشِيَتِي عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ إلَى سَبْعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْصَلَهَا إلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا هُنَاكَ وَامْنَحْنِي بِدُعَاكَ.
(قَوْلُهُ: مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ) لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْخَانِيَّةِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ التَّلْجِئَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْأَوَّلِ: وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute