وَبَيْعُ الْوَفَاءِ ذَكَرْته هُنَا تَبَعًا لِلدُّرَرِ: صُورَتُهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَيْنَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَيْنَ، وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيَّةُ بِالرَّهْنِ الْمُعَادِ، وَيُسَمَّى بِمِصْرَ بَيْعَ الْأَمَانَةِ، وَبِالشَّامِّ بَيْعَ الْإِطَاعَةِ، قِيلَ هُوَ رَهْنٌ فَتُضْمَنُ زَوَائِدُهُ، وَقِيلَ بَيْعٌ يُفِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَفِي إقَالَةِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ النِّهَايَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى،
ــ
[رد المحتار]
وَلَا عِبْرَةَ لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ اِ هـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ شَرَطَا الْوَفَاءَ ثُمَّ عَقَدَا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يُقِرَّا بِالْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِالسَّابِقِ كَمَا فِي التَّلْجِئَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّارِحَ مَشَى عَلَى خِلَافِهِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَالْعَقْدُ غَيْرُ جَائِزٍ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرْته هُنَا تَبَعًا لِلدُّرَرِ) وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَذَكَرَ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ، وَعَقَدَ لَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا هُوَ الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَذَكَرَ فِيهِ تِسْعَةَ أَقْوَالٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ
وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بَيْعَ الْوَفَاءِ أَنَّ فِيهِ عَهْدًا بِالْوَفَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ حِينَ رَدِّ الثَّمَنِ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يُسَمِّيهِ الْبَيْعَ الْجَائِزَ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ لِحَاجَةِ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا حَتَّى يُسَوِّغَ الْمُشْتَرِي أَكْلَ رِيعِهِ، وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ بَيْعَ الْمُعَامَلَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ رِبْحُ الدَّيْنِ وَهَذَا يَشْتَرِيهِ الدَّائِنُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِهِ. (قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: هُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِمَا لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْته فَهُوَ لِي اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: هُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك عَلَى أَنْ تَبِيعَهُ مِنِّي مَتَى جِئْت بِالثَّمَنِ فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَهُوَ رَهْنٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أَنْ تَبِيعَهُ مِنِّي. (قَوْلُهُ: بَيْعُ الْأَمَانَةِ) وَجْهُهُ أَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ أَيْ كَالْأَمَانَةِ. (قَوْلُهُ: بَيْعُ الْإِطَاعَةِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بَيْعُ الطَّاعَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْآنَ فِي بِلَادِنَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ: أَطَاعَهُ إطَاعَةً: أَيْ انْقَادَ لَهُ، وَأَطَاعَهُ طَوْعًا مِنْ بَابِ قَالَ لُغَةٌ، وَانْطَاعَ لَهُ انْقَادَ. قَالُوا: وَلَا تَكُونُ الطَّاعَةُ إلَّا عَنْ أَمْرٍ كَمَا أَنَّ الْجَوَابَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَوْلٍ، يُقَالُ أَمَرَهُ فَأَطَاعَ اهـ، وَوَجْهُهُ حِينَئِذٍ أَنَّ الدَّائِنَ يَأْمُرُ الْمَدِينَ بَيْعَ دَارِهِ مَثَلًا بِالدَّيْنِ فَيُطِيعَهُ فَصَارَ مَعْنَاهُ بَيْعُ الِانْقِيَادِ.
(قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ رَهْنٌ) قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ رَهْنٌ لَا يَفْتَرِقُ عَنْ الرَّهْنِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ: قُلْت: لِلْإِمَامِ الْحَسَنِ الْمَاتُرِيدِيِّ: قَدْ فَشَا هَذَا الْبَيْعُ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفَتْوَاك أَنَّهُ رَهْنٌ وَأَنَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ فَالصَّوَابُ أَنْ نَجْمَعَ الْأَئِمَّةَ وَنَتَّفِقَ عَلَى هَذَا وَنُظْهِرَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ الْمُعْتَبَرُ الْيَوْمَ فَتْوَانَا، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ فَمَنْ خَالَفَنَا فَلْيُبْرِزْ نَفْسَهُ وَلْيُقِمْ دَلِيلَهُ اهـ. قُلْت: وَبِهِ صَدَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَقَالَ رَامِزًا لِفَتَاوَى النَّسَفِيِّ: الْبَيْعُ الَّذِي تَعَارَفَهُ أَهْلُ زَمَانِنَا احْتِيَالًا لِلرِّبَا وَسَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ هُوَ رَهْنٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثَمَرِهِ وَأَتْلَفَ مِنْ شَجَرِهِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لَوْ بَقِيَ وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّهْنِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ اهـ، ثُمَّ نَقَلَ مَا مَرَّ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ بِيعَ كَرْمٌ بِجَنْبِ هَذَا الْكَرْمِ فَالشُّفْعَةُ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُعَامَلَةِ وَبَيْعَ التَّلْجِئَةِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الرَّهْنِ وَلِلرَّهْنِ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بَيْعٌ يُفِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ) هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute