للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ إنْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، ثُمَّ إنْ ذَكَرَا الْفَسْخَ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ زَعَمَاهُ غَيْرَ لَازِمٍ كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَلَوْ بَعْدَهُ عَلَى وَجْهِ الْمِيعَادِ جَازَ لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْخَانِيَّةِ وَأَقَرَّهُ خُسْرو هُنَا وَالْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ وَابْنُ الْمَلَكِ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ بِزِيَادَةٍ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ ذُكِرَ الشَّرْطُ بَعْدَ

ــ

[رد المحتار]

مُحْتَمِلٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْنِ، الْأَوَّلُ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ مُفِيدٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ مِنْ حِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْإِكْرَاهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. الثَّانِي الْقَوْلُ الْجَامِعُ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، حَتَّى مِلْكُ كُلٍّ مِنْهَا الْفَسْخَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ: كَحِلِّ الْإِنْزَالِ وَمَنَافِعِ الْمَبِيعِ، وَرَهْنٌ فِي حَقِّ الْبَعْضِ حَتَّى لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ وَلَا رَهْنَهُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ كَالزَّرَافَةِ فِيهَا صِفَةُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرُ وَالنَّمِرُ جُوِّزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَدَلَيْنِ لِصَاحِبِهِمَا: قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ فِي الْإِفْتَاءِ عَنْ الْقَوْلِ الْجَامِعِ وَفِي النَّهْرِ وَالْعَمَلُ فِي دِيَارِنَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ رَهْنًا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ شَرْعًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ مُسْتَقِلَّةٌ اهـ، دُرَرٌ ط. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ ذَكَرَا الْفَسْخَ فِيهِ) أَيْ شَرَطَاهُ فِيهِ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ ط وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَهُ) الَّذِي فِي الدُّرَرِ بَدَلُ هَذَا أَوْ تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ اهـ ط وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: جَازَ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ لِقَوْلِهِ كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّ ذِكْرَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَلَا يُنَافِي مَا بَعْدَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الشَّلَبِيِّ مُعَلِّلًا بِانْقِطَاعِ حُكْمِ الشَّرْطِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِيهِ إقَالَةٌ وَشَرْطُهَا بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَهُوَ لَا يُورَثُ اهـ. قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَا يُفْسِدُهُ الشَّرْطُ اللَّاحِقُ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. هَذَا وَفِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَطْلَقَ الْبَيْعَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَفَاءَ إلَّا أَنَّهُ عَهِدَ إلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ إنْ أَوْفَى مِثْلَ الثَّمَنِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَعَهُ أَجَابَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اخْتَلَفَ فِيهَا مَشَايِخُنَا عَلَى أَقْوَالٍ. وَنَصَّ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْوَفَاءُ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَهِدَ إلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ إنْ أَوْفَى مِثْلَ ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ مَعَهُ الْبَيْعُ يَكُونُ بَاتًّا حَيْثُ كَانَ الثَّمَنُ ثَمَنَ الْمِثْلِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ اهـ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا، فَلَوْ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ مَعَ عِلْمِ الْبَائِعِ بِهِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَكَذَا لَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِ الْمَالِ رِبْحًا، أَمَّا لَوْ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ بِلَا وَضْعِ رِبْحٍ فَبَاتَ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُهُ رَهْنًا بِظَاهِرِ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ الْبَاتَّ عَالِمًا بِالْغَبْنِ أَوْ مَعَ وَضْعِ الرِّبْحِ أَفَادَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُخْتَارُ أَئِمَّةِ خَوَارِزْمَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا بِالْبَيْعِ الرَّهْنَ لَا الْبَيْعَ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ اهـ، وَاعْتَرَضَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِأَنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ أَظْهَرُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْفَاشِيَةَ قَاضِيَةٌ بِقَصْدِ الْوَفَاءِ كَمَا فِي وَضْعِ الرِّبْحِ عَلَى الثَّمَنِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ الرِّبْحِ أَوْ نَقَصَ الثَّمَنُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ إذْ كَفَلَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلَانٌ فَأَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك وَنَحْوَهُ يَكُونُ كَفَالَةً لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَاءِ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَلَوْ عَلَّقَ وَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُ الْحَجُّ.

(قَوْلُهُ: بِزِيَادَةٍ وَفِي الظَّهِيرَةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ ابْنَ مَلَكٍ أَقَرَّهُ أَيْضًا وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ أَيْ مُقْتَرِنًا بِهَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>