إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْوَفَاءِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُهُ تَغَيُّرَ السِّعْرِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي أَوَاخِرِ قَاعِدَةِ: الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ عَنْ الْمُنْيَةِ: لَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى لِلْعُرْفِ، ثُمَّ نُقِلَ فِي آخِرِهَا عَنْ إجَازَةِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ بِهِ أَفْتَى مَشَايِخُ بَلْخٍ وَخُوَارِزْمَ وَأَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ أَيْضًا. قَالَ: وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَاب لِلطَّحَّانِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ إبْطَالُ النَّصِّ. وَفِيهَا مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: الْقَوْلُ السَّادِسُ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ أَنَّهُ صَحِيحٌ لِحَاجَةِ النَّاسِ فِرَارًا مِنْ الرِّبَا. وَقَالُوا: مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ إلَّا اتَّسَعَ حُكْمُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ بِاعْتِبَارِهِ، فَأَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِأَنَّ مَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَسْوَاقِ مِنْ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ لَازِمٌ وَيَصِيرُ الْخُلُوُّ فِي الْحَانُوتِ حَقًّا لَهُ فَلَا يُهْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إخْرَاجَهُ مِنْهَا وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا، وَكَذَا أَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ قَدْ تَعَارَفَ الْفُقَهَاءُ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ يُعْطَى لِصَاحِبِهَا فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ، وَأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لَهُ وَقَبَضَ مِنْهُ الْمَبْلَغَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
ــ
[رد المحتار]
وَهِيَ تُفِيدُ تَقْيِيدَ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ كَوْنُ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الْبَتَاتِ بِمَا إذَا لَمْ تَقُمْ الْقَرِينَةُ عَلَى خِلَافِهِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثْنَاهُ آنِفًا وَلَكِنْ فِي التَّعْبِيرِ مُسَاهَلَةٌ، فَإِنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت بَاتًّا إلَخْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي الْبَتَاتَ عِنْدَ نُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا بِخِلَافِ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْوَفَاءِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا) وَهُوَ مَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ هُنَا مَا مَرَّ فِي الْوَعْدِ بِالْوَفَاءِ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ عَلَى الْمَالِ رِبْحًا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ رَهْنٌ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا بِالْبَيْعِ الرَّهْنَ لَا الْبَيْعَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ) أَيْ مَعَ الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَيَانُ حُكْمِ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَأَنَّ الْعَامَّ مُعْتَبَرٌ مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا، وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ بَيْعِ الْوَفَاءِ وَبَيْعِ الْخُلُوِّ لِابْتِنَائِهِمَا عَلَى الْعُرْفِ. (قَوْلُهُ: بِالنِّصْفِ) أَيْ نِصْفِ مَا يَنْسِجُهُ أُجْرَةً عَلَى النَّسْجِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ) أَيْ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ) أَيْ الْمَبْسُوطِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي صَدْرِ عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ أَفَادَهُ ط.
(قَوْلُهُ: لِلطَّحَّانِ) أَيْ لِمَسْأَلَةِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ لَهُ طَعَامًا أَوْ يَطْحَنَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ) أَيْ عَدَمُ الْجَوَازِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِالنَّهْيِ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَدَفْعُ الْغَزْلِ إلَى حَائِكٍ فِي مَعْنَاهُ. قَالَ الْبِيرِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَايِخَ أَرْبَابُ الِاخْتِيَارِ اخْتَلَفُوا فِي الْإِفْتَاءِ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ: قَالَ أَبُو اللَّيْثِ النَّسِيجُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، لَكِنَّ مَشَايِخَ بَلْخٍ اسْتَحْسَنُوهُ وَأَجَازُوهُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ. قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ الشَّهِيدُ: لَا نَأْخُذُ: بِاسْتِحْسَانِ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَإِنَّمَا نَأْخُذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ فِي بَلَدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ شَرْعًا مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِعْلُهُمْ حُجَّةً إلَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ النَّاسِ كَافَّةً فِي الْبُلْدَانِ كُلِّهَا فَيَكُونُ إجْمَاعًا وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ تَعَامَلُوا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَالرِّبَا لَا يُفْتَى بِالْحِلِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: فِرَارًا مِنْ الرِّبَا) لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ لَا يُقْرِضُ إلَّا بِنَفْعٍ وَالْمُسْتَقْرِضُ مُحْتَاجٌ فَأَجَازُوا ذَلِكَ لِيَنْتَفِعَ الْمُقْرِضُ بِالْمَبِيعِ وَتَعَارَفَهُ النَّاسُ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، فَلِذَا رَجَّحُوا كَوْنَهُ رَهْنًا. (قَوْلُهُ: فَأَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْخُلُوِّ أَوَّلَ الْبُيُوعِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَقُولُ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute