وَالْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ لِلْبَائِعِ طُولَ مُدَّةِ التَّآجُرِ انْتَهَى فَتَنَبَّهْ.
قُلْت: وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَبَقِيَ فِي يَدِهِ فَأَفْتَى عُلَمَاءُ الرُّومِ بِلُزُومِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَيُسَمُّونَهُ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ وَفِي الدُّرَرِ صَحَّ بَيْعُ الْوَفَاءِ فِي الْعَقَارِ اسْتِحْسَانًا. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَنْقُولِ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَالْمُنْيَةِ اخْتَلَفَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاتًّا أَوْ وَفَاءً جِدٌّ أَوْ هَزْلٌ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ وَالْبَتَاتِ إلَّا بِقَرِينَةِ الْهَزْلِ وَالْوَفَاءِ: قُلْت: لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْوَفَاءِ اسْتِحْسَانًا كَمَا سَيَجِيءُ فَلْيُحْفَظْ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك بَيْعًا بَاتًّا فَالْقَوْلُ لَهُ
ــ
[رد المحتار]
فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: لَازِمَةٌ لِلْبَائِعِ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى: أَيْ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ لِلتَّقْوِيَةِ لَكِنَّ الْعَامِلَ اسْمُ فَاعِلٍ فَهِيَ زَائِدَةٌ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: بِلُزُومِ أَجْرِ الْمِثْلِ) هَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ مَنْ آجَرَ مِلْكَهُ مُدَّةً ثُمَّ انْقَضَتْ وَبَقِيَ الْمُسْتَأْجِرُ سَاكِنًا لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ إلَّا إذَا طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِالْأُجْرَةِ فَإِذَا سَكَنَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ يَكُونُ قَبُولًا لِلِاسْتِئْجَارِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا فِي الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ فَمَا ظَنُّك فِي الْمَبِيعِ وَفَاءً مَعَ كَوْنِ الْمُسْتَأْجِرِ هُوَ الْبَائِعُ، نَعَمْ قَالُوا بِلُزُومِ الْأُجْرَةِ فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ بِذَلِكَ الْإِيجَارِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَيُسَمُّونَهُ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَعَلَى كُلٍّ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الرَّاجِحِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمَنْقُولِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْوَفَاءِ فِي الْمَنْقُولِ وَصَحَّ فِي الْعَقَارِ بِاسْتِحْسَانِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَفِي النَّوَازِلِ جَوَّزَ الْوَفَاءَ فِي الْمَنْقُولِ أَيْضًا اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَصَحَّ فِي الْعَقَارِ إلَخْ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْخِلَافِ فِي صِحَّتِهِ. (قَوْلُهُ: الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ وَالْبَتَاتِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِقَرِينَةٍ) هِيَ مَا يَأْتِي مِنْ نُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْوَفَاءِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بُرْهَانِ الدِّينِ: ادَّعَى الْبَائِعُ وَفَاءً وَالْمُشْتَرِي بَاتًّا أَوْ عَكَسَا، فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبَاتِّ، وَكُنْت أُفْتِي فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْوَفَاءِ، وَلَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ أَئِمَّةَ بُخَارَى هَكَذَا أَجَابُوا فَوَافَقْتهمْ اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ فَظَهَرَ بِهِ وَبِقَوْلِهِ كُنْت أُفْتِي إلَخْ أَنَّ الْمُتَعَمَّدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْبَاتِّ مِنْهُمَا وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْوَفَاءِ مِنْهُمَا. مَطْلَبُ قَاضِي خَانْ مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ وَالتَّرْجِيحِ
وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى وَذَكَرَ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَاخْتِلَافَ تَصْحِيحٍ، وَلَكِنْ عَلَيْك بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنَّ قَاضِي خَانْ مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ وَالتَّرْجِيحِ اهـ، وَبِهَذَا أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا. قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُ هُنَا اسْتِحْسَانًا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ مُدَّعِي الْوَفَاءِ فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِقِيَامِ الْقَرِينَةِ ثُمَّ رَاجَعْت عِبَارَةَ الْمُلْتَقَطِ فَرَأَيْته ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الشَّهَادَاتِ: وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْعًا بَاتًّا وَالْآخَرُ بَيْعَ الْوَفَاءِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانُوا يُفْتُونَ أَنَّ الْبَاتَّ أَوْلَى ثُمَّ أَفْتَوْا أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ فِي الْبُيُوعِ: لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بَاتًّا وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْته بَيْعَ الْوَفَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْبَتَاتَ، وَكَانَ يُفْتِي فِيمَا مَضَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْآخَرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ، فَتَحَصَّلَ مِنْ عِبَارَتَيْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيِّنَةِ تَرْجِيحُ بَيِّنَةِ الْوَفَاءِ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلِ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُدَّعِي الْبَتَاتِ، وَهَذَا الَّذِي حَرَّرَهُ الرَّمْلِيُّ فِيمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَبْقُ قَلَمٍ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِعَيْنِهَا ذَكَرَهَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَقِبَ عِبَارَتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ فِي الْبُيُوعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute