للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَحُكْمُهَا لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ) بِمَا هُوَ عَلَى الْأَصِيلِ نَفْسًا أَوْ مَالًا

(وَأَهْلُهَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ) فَلَا تَنْفُذُ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ إلَّا إذَا اسْتَدَانَ لَهُ وَلِيُّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ الْمَالَ عَنْهُ فَتَصِحُّ وَيَكُونُ إذْنًا فِي الْأَدَاءِ مُحِيطٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ يُطَالَبُ بِهَذَا الْمَالِ بِمُوجِبِ الْكَفَالَةِ وَلَوْلَاهَا لَطُولِبَ الْوَلِيُّ نَهْرٌ، وَلَا مِنْ مَرِيضٍ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا مِنْ عَبْدٍ وَلَوْ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، وَيُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ

ــ

[رد المحتار]

ظَاهِرُ كَلَامِ النَّهْرِ أَنَّهَا لَوْ صَارَتْ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ بِهَا أَوْ بِالرِّضَاءِ تَصِيرُ دَيْنًا صَحِيحًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِسُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي، لَكِنَّ غَيْرَ الْمُسْتَدَانَةِ مَعَ كَوْنِهَا دَيْنًا غَيْرَ صَحِيحٍ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا اسْتِحْسَانًا: فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا، بَلْ ذَكَرَ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَفَلَ لَهَا رَجُلٌ بِالنَّفَقَةِ أَبَدًا مَا دَامَتْ الزَّوْجِيَّةُ جَازَ، وَكَذَا ذَكَرَ قُبَيْلَ الْبَابِ الْآتِي جَوَازَ الْكَفَالَةِ بِهَا إذَا أَرَادَ زَوْجُهَا السَّفَرَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا أَصْلًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا تَبَعًا لِلنَّهْرِ عَلَى النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ أَنَّ الزَّوْجَةَ مُقَصِّرَةٌ بِتَرْكِهَا بِدُونِ قَضَاءٍ أَوْ رِضًا إلَى أَنْ سَقَطَتْ بِالْمُضِيِّ، بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ) أَيْ ثُبُوتُ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ مَتَى شَاءَ الطَّالِبُ، سَوَاءٌ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ أَوْ لَا فَتْحٌ. وَذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ اخْتِيَارَ الطَّالِبِ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْآخَرِ مَا لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَلِذَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ اهـ وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: بِمَا هُوَ عَلَى الْأَصِيلِ) الْأَوْلَى بِمَا وَقَعَتْ الْكَفَالَةُ بِهِ عَنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ أَوْ تَسْلِيمُ الْمَالِ، وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ لَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ تَعَدَّدَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ كَنِصْفِ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ ثُلُثِهِ لَوْ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يَكْفُلُوا عَلَى التَّعَاقُبِ فَيُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِكُلِّ الْمَالِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ. (قَوْلُهُ: نَفْسًا أَوْ مَالًا) شَمِلَ الْمَالُ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَوْ فِعْلًا؛ كَمَا لَوْ كَفَلَ تَسْلِيمَ الْأَمَانَةِ أَوْ تَسْلِيمَ الدَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: فَلَا تَنْفُذُ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ تَاجِرًا، وَكَذَا لَا تَجُوزُ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ تَاجِرًا، وَأَمَّا الْكَفَالَةُ عَنْهُ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْكَفِيلِ يُؤْخَذُ بِهَا، وَلَا يُجْبَرُ الصَّبِيُّ عَلَى الْحُضُورِ مَعَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ بِطَلَبِهِ وَهُوَ تَاجِرٌ أَوْ بِطَلَبِ أَبِيهِ مُطْلَقًا، فَإِنْ تَغَيَّبَ فَلَهُ أَخْذُ الْأَبِ بِإِحْضَارِهِ أَوْ تَخْلِيصِهِ، وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الصَّبِيِّ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ مَا ذَابَ عَلَيْهِ جَازَتْ كَفَالَةُ النَّفْسِ، وَمَا قَضَى بِهِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الصَّبِيِّ إلَّا إذَا أَمَرَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِالضَّمَانِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ كَافِي الْحَاكِمِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اسْتَدَانَ لَهُ وَلِيُّهُ) أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ لِنَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ الْمَالَ عَنْهُ) قَيَّدَ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّيْنِ قَدْ لَزِمَهُ أَيْ لَزِمَ الصَّبِيَّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَأَمَّا ضَمَانُ النَّفْسِ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِهِ فَلَمْ يَجُزْ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ إذْنًا فِي الْأَدَاءِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْأَدَاءِ فَإِذَا أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ نَهْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْلَاهَا لَطُولِبَ الْوَلِيُّ) أَيْ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ مَرِيضٍ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ) لَكِنْ إذَا كَفَلَ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ لَا تَصِحُّ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ بَطَلَتْ، وَلَوْ كَفَلَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُحِيطٍ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَاتَ فَالْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى بِتَرِكَتِهِ مِنْ الْمَكْفُولِ، وَإِنْ لَمْ يُحِطْ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ صَحَّتْ كُلُّهَا وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الثُّلُثِ وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ فِي مَالِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ عَبْدٍ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>