للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَلَمْ يُوَافِ بِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ) فَلَوْ عَجَزَ لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ إلَّا إذَا عَجَزَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ جُنُونِهِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ) فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (ضَمِنَ الْمَالَ

ــ

[رد المحتار]

عَلَيْهِ مَالٌ فَلَزِمَ الطَّالِبَ الْكَفِيلُ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَالْمَالُ الَّذِي عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ جَازَ، وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالٌ وَلَمْ يَكْفُلْ بِهِ أَحَدٌ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ.

(قَوْلُهُ: مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ) صَرَّحَ بِهَذَا الْقَيْدِ الزَّيْلَعِيُّ وَالشُّمُنِّيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ: وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ إنَّهُ قَيْدٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا عَجَزَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ جُنُونِهِ اهـ.

(وَقَوْلُهُ: فَلَوْ عَجَزَ لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ) أَيْ مَثَلًا فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا غَابَ الْمَكْفُولُ بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ، فَقَدْ مَرَّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ عَجْزٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ شَرْطَ ضَمَانِ الْمَالِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَحَيْثُ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ عَجْزٌ عَنْ الْمُوَافَاةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْقُدْرَةُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ الْعَجْزِ إلَّا الْعَجْزَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ جُنُونِهِ، فَدَخَلَتْ الْغَيْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعَجْزِ.

وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ كَالْمَوْتِ فَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مِثْلُهُ فِي سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ، وَالْمَوْتُ هُنَاكَ مُبْطِلٌ لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَمُسْقِطٌ لِلْمُطَالَبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَيْسَ هُنَاكَ كَفَالَةٌ بِالْمَالِ، وَهُنَا الْمُرَادُ ثُبُوتُ كَفَالَةِ الْمَالِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالْمَوْتُ هُنَا مُحَقَّقٌ لِكَفَالَةِ الْمَالِ وَمُثْبِتٌ لِلضَّمَانِ، فَإِذَا جَعَلْت الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ كَالْمَوْتِ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ فِيمَا مَرَّ وَهُوَ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ بِالنَّفْسِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ ضَمَانِ الْمَالِ الْمُعَلَّقِ عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ بَلْ يَلْزَمُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَإِنْ جُعِلَتْ كَالْمَوْتِ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا وَهُوَ ثُبُوتُ الضَّمَانِ نَافَى قَوْلَهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ عَجْزٌ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ الْعَجْزِ إلَّا الْمَوْتَ وَالْجُنُونَ، عَلَى أَنَّ جَعْلَهَا كَالْمَوْتِ فِي ثُبُوتِ الضَّمَانِ خِلَافُ مَا أَرَادَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا ذَكَرَا ذَلِكَ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ كَفَالَةِ الْمَالِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ مُسْقِطَةٌ لِلْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِثُبُوتِ الضَّمَانِ أَيْ ضَمَانِ النَّفْسِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ عَلَى كَوْنِ الْغَيْبَةِ الْمَذْكُورَةِ مُسْقِطَةً لِلْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّفْسِ فَقَطْ.

وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْمَالِ فَهِيَ حُكْمُ الْكَفَالَةِ الْأُخْرَى الْمُعَلَّقَةِ عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَإِذَا وُجِدَ مَا عُلِّقَتْ عَلَيْهِ ثَبَتَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَمَعَ الْغَيْبَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ فَلَا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى.

مَطْلَبُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَكَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى قَرِيبًا مِنْ كِتَابَتِي لِهَذَا الْمَحَلِّ، وَهِيَ: رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا دُيُونٌ فَكَفَلَهُمَا زَيْدٌ كَفَالَةَ مَالٍ وَكَفَلَهُمَا عِنْدَ زَيْدٍ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُوَافُوهُ بِالْمَطْلُوبَيْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْمَالُ الْمَذْكُورُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ وَأَدَّى زَيْدٌ إلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ وَطَالَبَ الْأَرْبَعَةَ بِالْمَطْلُوبَيْنِ فَأَحْضَرُوا لَهُ أَحَدَهُمَا وَعَجَزُوا عَنْ إحْضَارِ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ سَافَرَ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ وَلَا يُدْرَى مَكَانَهُ. فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْمَالُ لِلْعَجْزِ عَنْ الْمُوَافَاةِ بِالْغَيْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فَعَارَضَنِي الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ بِعِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَارَّةِ فَأَجَبْته بِمَا حَرَّرْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ إلَخْ) أَيْ أَفَادَ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْجُنُونَ، لَكِنْ يُفْهَمُ حُكْمُهُ مِنْ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمٌ يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى الْخِصَامِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ الْجُنُونِ كَالْمَوْتِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ) يَعْنِي بَعْدَ الْغَدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَبِهَذَا يَزُولُ إشْكَالُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ عَلَى الْمُوَافَاةِ بِالْمَطْلُوبِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِذَا قَيَّدَ الْمَوْتَ بِمَا بَعْدَ الْغَدِ يَكُونُ قَدْ وَجَدَ شَرْطَ الضَّمَانِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ بِهِ غَدًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ: أَيْ الْمُقَيَّدَةِ بِالْغَدِ، لَكِنْ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْغَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>