وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ، هَذَا حُكْمُ الْإِنْشَاءِ (وَلَوْ أَخْبَرَ عَنْهَا) بِأَنْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَالِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ (حَالَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ أَوْ كَفَلَ وَارِثُ الْمَرِيضِ) الْمَلِيُّ (عَنْهُ) بِأَمْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَكَفَلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ (صَحَّ) فِي الصُّورَتَيْنِ بِلَا قَبُولٍ اتِّفَاقًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ، فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ يَصِحُّ شَرْحُ مَجْمَعٍ.
وَفِي الْفَتْحِ الصِّحَّةُ أَوْجَهُ، وَحَقَّقَ أَنَّهَا كَفَالَةٌ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ تَوَقُّفُهَا عَلَى الْمَالِ، وَلَوْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ هَلْ يُؤْمَرُ الْغَرِيمُ بِانْتِظَارِهِ أَوْ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي عَلَى أَنَّهُ وَصِيَّةٌ أَنْ يَنْتَظِرَ لَا عَلَى أَنَّهَا كَفَالَةٌ، وَقَيَّدْنَا بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْوَارِثِ بِضَمَانِهِ فِي غَيْبَتِهِمْ لَا يَصِحُّ وَرَوَى الْحَسَنُ الصِّحَّةَ،
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ) حَيْثُ نُقِلَ اخْتِيَارُ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَالْمَحْبُوبِيِّ وَالنَّسَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُهُ لِتَأْخِيرِهِ دَلِيلَهُمَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْبَرَ عَنْهَا إلَخْ) بَيَانٌ لِاسْتِثْنَاءِ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ بِلَا قَوْلِ الطَّالِبِ وَفِي اسْتِثْنَاءِ الْأُولَى نَظَرٌ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ.
(قَوْلُهُ: بِمَالِ فُلَانٍ) الْأَوْلَى جَعْلُ مَا مَوْصُولَةً وَجَعْلُ اللَّامِ مُتَّصِلَةً بِفُلَانٍ عَلَى أَنَّهَا جَارَّةٌ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
(قَوْلُهُ: وَارِثُ الْمَرِيضِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا فِي الصِّحَّةِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: الْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ كَافِي وَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ.
(قَوْلُهُ: الْمَلِيُّ) أَيْ الَّذِي عِنْدَهُ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ) تَعْلِيلٌ لِلثَّانِيَةِ، وَتَرْكُ تَعْلِيلِ الْأُولَى لِظُهُورِهِ فَإِنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْعَقْدِ إخْبَارٌ عَنْ رُكْنَيْهِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اهـ. ح فَلَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَفَالَةٌ بِلَا قَبُولٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ.
قَالَ وَلِهَذَا تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَكْفُولَ لَهُمْ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ لَهُ مَالُ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ الْمَرِيضَ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ وَصِيَّةٌ لَا كَفَالَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي بِالْعَكْسِ، وَاعْتَرَضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَفِيهِ بُعْدٌ.
وَاعْتَرَضَ الثَّانِي فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْكَفَالَةِ لِأَنَّا حَيْثُ اشْتَرَطْنَا وُجُودَ الْمَالِ فَالْوَارِثُ يُطَالَبُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَجَابَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَظْهَرُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ تَأَمَّلْ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ مُنْقَطِعٌ وَعَلَى الثَّانِي مُتَّصِلٌ؛ وَلِذَا كَانَ أَرْجَحَ، إلَّا أَنَّ مُقْتَضَاهُ مُطَالَبَةُ الْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ اهـ.
قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَفَالَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُرَاعَى الشَّبَهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا لِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مُرَاعَاتُهُمَا بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَإِلَّا لَزِمَ إلْغَاؤُهُمَا.
(قَوْلُهُ: الصِّحَّةُ أَوْجَهُ) أَيَّدَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْوَارِثَ حَيْثُ كَانَ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الْكَفَالَةِ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ كَفَالَتُهُ، فَإِذَا جَازَتْ لِمَا مَرَّ فِي الْوَجْهَيْنِ فَكَفَالَةُ الْأَجْنَبِيِّ وَهِيَ سَالِمَةٌ عَنْ هَذَا الْمَانِعِ أَوْلَى أَنْ تَصِحَّ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَحَقَّقَ أَنَّهَا كَفَالَةٌ) أَيْ وَبَنَى عَلَيْهِ صِحَّتَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إلْغَاءُ أَحَدِ وَجْهَيْ الِاسْتِحْسَانِ، وَإِذَا مَشَيْنَا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ إعْمَالِ الْوَجْهَيْنِ وَتَوْفِيرِ الشَّبَهَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْكَفَالَةِ لَمْ يَضُرَّنَا؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَصِحُّ كَوْنُهُ وَصِيًّا وَكَوْنُهُ كَفِيلًا.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ تَوَقُّفُهَا عَلَى الْمَالِ) حَيْثُ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَرِيضِ مَلِيًّا، وَالْكَفَالَةُ عَنْ الْمَرِيضِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَالِ.
قُلْت: وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى كَوْنَهَا كَفَالَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ لَهَا شَبَهَيْنِ، وَاشْتِرَاطُ الْمَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى شَبَهِ الْوَصِيَّةِ، كَمَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمَرَضِ مَبْنِيٌّ عَلَى شَبَهِ الْكَفَالَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ) أَصْلُ التَّوَقُّفِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ