للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ بَحْرٌ.

(قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الْمَالِ) الَّذِي كَفَلْت بِهِ (رَجَعَ) الْكَفِيلُ بِالْمَالِ (عَلَى الْمَطْلُوبِ إذَا كَانَتْ) الْكَفَالَةُ (بِأَمْرِهِ) لِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ، وَمُفَادُهُ بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ لِلطَّالِبِ لِإِقْرَارِهِ كَالْكَفِيلِ (وَفِي) قَوْلِهِ لِلْكَفِيلِ (بَرِئْت) بِلَا إلَيَّ (أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) رُجُوعَ كَقَوْلِهِ أَنْتَ فِي حِلٍّ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لَا إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ بَرِئْت فَإِنَّهُ جَعَلَهُ كَالْأَوَّلِ أَيْ إلَى قِيلَ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى نَهْرٌ مَعْزِيًّا لِلْعِنَايَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَهُ فِي الصَّكِّ كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ (وَهَذَا) كُلُّهُ (مَعَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ وَمَعَ حَضْرَتِهِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ)

ــ

[رد المحتار]

قَبْلَهَا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَالْمَالُ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْكَفَالَةِ وَهُنَاكَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ الْبَاقِي كَمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْمَبْسُوطِ.

وَمِنْ الْعَجَبِ مَا فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ جَعَلَ عِبَارَةَ الْمَبْسُوطِ الْمَارَّةِ تَصْوِيرًا لِمَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ عَكَسَ الْمَوْضِعَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَبْسُوطِ مَفْرُوضٌ فِي الصُّلْحِ عَنْ إبْرَاءِ الْكَفِيلِ فَقَطْ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ فِي الصُّلْحِ عَلَى إبْرَاءِ الْكَفِيلِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ، نَعَمْ رُبَّمَا يُشْعِرُ كَلَامُ الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ

(قَوْلُهُ: بَرِئْت إلَيَّ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ: أَيْ حَالَ كَوْنِك مُؤَدِّيًا إلَيَّ كَمَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ أَيْ فَهُوَ بَرَاءَةُ اسْتِيفَاءٍ لَا بَرَاءَةُ إسْقَاطٍ.

(قَوْلُهُ: لِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ) لِأَنَّ مُفَادَ هَذَا التَّرْكِيبِ بَرَاءَةٌ مِنْ الْمَالِ مَبْدَؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَمُنْتَهَاهَا صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ.

(قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا الْكَلَامُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ) أَيْ الْمَدْيُونِ لِلطَّالِبِ: أَيْ الدَّائِنِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَبْرَأُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ الَّتِي كَانَتْ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَبْرَأُ مِنْهَا الْكَفِيلُ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ؛ إذْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ.

(قَوْلُهُ: لَا رُجُوعَ) أَيْ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، نَعَمْ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَطْلُوبَ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يُفِيدُ الْقَبْضَ لِيَكُونَ إقْرَارًا بِهِ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِبْرَاءِ بِسَبَبِ الْقَبْضِ وَلِلْإِسْقَاطِ فَلَا يَثْبُتُ الْقَبْضُ بِالشَّكِّ.

(قَوْلُهُ: أَيْ إلَيَّ) الْمُرَادُ بَرِئْت إلَيَّ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَقْرَبُ الِاحْتِمَالَيْنِ) أَيْ احْتِمَالِ أَنَّهُ بَرَاءَةُ قَبْضٍ وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ بَرَاءَةُ إسْقَاطٍ.

وَوَجْهُ الْأَقْرَبِيَّةِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ الْمُخَاطَبِ.

وَحَاصِلُهُ إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلُ قُمْت وَقَعَدْت وَالْبَرَاءَةُ الْكَائِنَةُ مِنْهُ خَاصَّةٌ بِالْإِيفَاءِ بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ بِالْإِبْرَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ بِفِعْلِ الْكَفِيلِ بَلْ بِفِعْلِ الطَّالِبِ فَلَا تَكُونُ حِينَئِذٍ مُضَافَةً إلَى الْكَفِيلِ، وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْقَبْضُ بِالشَّكِّ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الِاحْتِمَالَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ اهـ، وَهَذَا أَيْضًا تَرْجِيحٌ مِنْهُ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

(قَوْلُهُ: لَوْ كَتَبَهُ فِي الصَّكِّ) بِأَنْ كَتَبَ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَفَلَ بِهَا بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْعُرْفِ) فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الصَّكَّ يُكْتَبُ عَلَى الطَّالِبِ بِالْبَرَاءَةِ إذَا حَصَلَتْ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يَكْتُبُ الصَّكَّ عَلَيْهِ فَجُعِلَتْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ إلَخْ) عَزَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَكَذَا الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ كَمَالٍ، فَتَعْبِيرُ الْبَحْرِ عَنْهُ بِقِيلَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَافْهَمْ، وَالْإِشَارَةُ إلَى جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمَارَّةِ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ: حَتَّى فِي بَرِئْت إلَيَّ لِاحْتِمَالِ لِأَنِّي أَبْرَأْتُك مَجَازًا، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي الِاسْتِعْمَالِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي لَفْظِ الْحِلِّ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِظُهُورِ أَنَّهُ مُسَامَحَةٌ لَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>