للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَكِنَّهُ لَا يُقَلَّدُ) وُجُوبًا وَيَأْثَمُ مُقَلِّدُهُ كَقَابِلِ شَهَادَتِهِ، بِهِ يُفْتَى، وَقَيَّدَهُ فِي الْقَاعِدِيَّةِ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ فَلْيُحْفَظْ دُرَرٌ. وَاسْتَثْنَى الثَّانِيَ الْفَاسِقَ ذَا الْجَاهِ وَالْمُرُوءَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ بَزَّازِيَّةٌ قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَأْثَمُ أَيْضًا بِتَوْلِيَتِهِ الْقَضَاءَ حَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى.

قُلْت: سَيَجِيءُ تَضْعِيفُهُ فَرَاجِعِهِ وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ لَمَّا وَقَعَ التَّسَاوِي فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فِي وُجُودِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّيَانَةِ وَالْعَدَالَةِ.

(وَالْعَدُوُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى عَدُوِّهِ إذَا كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً)

ــ

[رد المحتار]

فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ لِفِسْقِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ اهـ،

أَقُولُ: لَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا لَانْسَدَّ بَابُ الْقَضَاءِ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَلِذَا كَانَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ نَهْرٌ وَفِي الْفَتْحِ وَالْوَجْهُ تَنْفِيذُ قَضَاءِ كُلِّ مَنْ وَلَّاهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا وَحِينَئِذٍ فَيَحْكُمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يُقَلِّدُ وُجُوبًا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ذَكَرَ الْأَوْلَوِيَّةَ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ قَبِلَ جَازَ وَفِي الْفَتْحِ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ لَا يَحِلَّ أَنْ يُقْضَى بِهَا فَإِنْ قَضَى جَازَ وَنَفَذَ اهـ، وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ، وَقَوْلُهُمْ بِوُجُوبِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّاهِدِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ يَقْتَضِي الْإِثْمَ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ حَالِهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ الْفَاسِقُ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّ مَنْ قَلَّدَ فَاسِقًا يَأْثَمُ وَإِذَا قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ يَأْثَمُ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) رَاجِعٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ فَقَدْ عَلِمْت التَّصْرِيحَ بِتَصْحِيحِهِ وَبِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا كَوْنُ عَدَمِ تَقْلِيدِهِ وَاجِبًا فَفِيهِ كَلَامٌ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ) أَيْ قَيَّدَ قَبُولَ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَابِلٍ اهـ ح وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ حَتَّى لَوْ قِبَلهَا الْقَاضِي، وَحَكَمَ بِهَا كَانَ آثِمًا لَكِنَّهُ يَنْفُذُ وَفِي الْفَتَاوَى الْقَاعِدِيَّةِ هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يُحْفَظُ اهـ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ أَيْضًا لِحُصُولِ التَّبَيُّنِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي النَّصِّ تَأَمَّلْ قَالَ ط: فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي صِدْقُهُ بِأَنْ غَلَبَ كَذِبُهُ عِنْدَهُ أَوْ تَسَاوَيَا فَلَا يَقْبَلُهَا أَيْ لَا يَصِحُّ قَبُولُهَا أَصْلًا، هَذَا مَا يُعْطِيهِ الْمَقَامُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى الثَّانِيَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الْفَاسِقِ الَّذِي يَأْثَمُ الْقَاضِي بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي صِدْقُهُ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ كَلَامِ الْقَاعِدِيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرْنَاهُ آنِفًا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: سَيَجِيءُ تَضْعِيفُهُ) أَيْ فِي الشَّهَادَاتِ حَيْثُ قَالَ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَالْمُجْتَبَى مِنْ قَبُولِ ذِي الْمُرُوءَةِ الصَّادِقِ فَقَوْلُ الثَّانِي، وَضَعَّفَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ اهـ.

قُلْت: قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ، وَقَبِلَهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]- لَكِنْ فِيهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْعَدْلِ. إنَّمَا هِيَ بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا وَلَا سِيَّمَا هُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ عِنْدَ التَّبَيُّنِ عَنْ حَالِهِ كَمَا قُلْنَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ) أَيْ الْمَسَائِلُ الَّتِي عَرَضَهَا عَلَى سُلْطَانِ زَمَانِهِ، فَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِهَا.

(قَوْلُهُ: فِي وُجُودِ الْعَدَالَةِ) هَذَا كَانَ فِي زَمَنِهِ وَقَدْ وُجِدَ التَّسَاوِي فِي عَدَمِهَا الْآنَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ يُقَدِّمُ ط

(قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً) سَيُذْكَرُ تَفْسِيرُهَا عَنْ شَرْحِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَاحْتَرَزَ بِالدُّنْيَوِيَّةِ عَنْ الدِّينِيَّةِ فَإِنَّ مَنْ عَادَى غَيْرَهُ لِارْتِكَابِهِ بِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَا يُتَّهَمُ، بِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِزُورٍ بِخِلَافِ الْمُعَادَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَعَنْ هَذَا قُبِلَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>