للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّحْكِيمِ.

(وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا شَرْطُ أَهْلِيَّتِهِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ عَلَى الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ مُلْزِمٌ عَلَى الْخَصْمِ فَلِذَا قِيلَ: حُكْمُ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ ابْنُ كَمَالٍ (وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا فَيَكُونُ أَهْلَهُ

ــ

[رد المحتار]

بِلَا حَاجَةٍ إلَى تَجْدِيدٍ بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ صَبِيٍّ فَأَدْرَكَ، وَلَوْ قُلِّدَ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى قَضَائِهِ فَصَارَ الْكَافِرُ كَالْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ وِلَايَةٌ وَبِهِ مَانِعٌ وَبِالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ يَرْتَفِعُ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا وَمَا فِي الْفُصُولِ لَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ أَوْ كَافِرٍ: إذَا أَدْرَكْت فَصَلِّ بِالنَّاسِ أَوْ اقْضِ بَيْنَهُمْ جَازَ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ فِي الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْوِلَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ وَمَا تَقَدَّمَ تَنْجِيزٌ اهـ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُ الْمُرَادِ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَضَاءُ لَا مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْكَامِلَةُ وَهِيَ النَّافِذَةُ الْحُكْمِ وَأَمَّا تَوْلِيَةُ الْأَطْرَشِ فَسَيَذْكُرُهَا الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا فِي الْحَوَاشِي مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ عَلَيْهِ إسْقَاطُهُ لِيَكُونَ الْمُرَادُ أَدَاءَهَا عَلَى مَنْ يَقْضِي عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ الْكَافِرُ، لَكِنَّ التَّفْسِيرَ بِالْأَدَاءِ احْتِرَازٌ عَنْ التَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا حَالَةَ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ لَا أَدَاؤُهَا فَيُنَافِي ذَلِكَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ تَحَمُّلَهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ. نَعَمْ يَخْرُجُ عَنْهُ الصَّبِيُّ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَضَاءُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ أَدَاءَهَا فَقَطْ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرُ الْمُوَلَّى عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ حَالًا وَكَوْنُهُ قَاضِيًا خَاصًّا لَا يَضُرُّ كَمَا لَا يَضُرُّ تَخْصِيصُ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ بِجَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْوَاجِبُ إسْقَاطُ ذَلِكَ الْقَيْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَعْرِيفَ الْقَاضِي الْكَامِلِ.

(قَوْلُهُ: لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ) أَيْ حَالَ كُفْرِهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَافِرَ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا يَحْكُمُ إلَّا إذَا أَسْلَمَ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الدُّرْزِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ [تَنْبِيهٌ]

ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ حُكْمُ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ فِي بِلَادِ الدُّرُوزِ فِي الْقُطْرِ الشَّامِيِّ، وَيَكُونُ دُرْزِيًّا وَيَكُونُ نَصْرَانِيًّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الدُّرْزِيَّ لَا مِلَّةَ لَهُ كَالْمُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ وَإِنْ سَمَّى نَفْسَهُ مُسْلِمًا وَقَدْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ حُكْمُ الدُّرْزِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَبِالْعَكْسِ تَأَمَّلْ، وَهَذَا كُلُّهُ يُعَدُّ كَوْنُهُ مَنْصُوبًا مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ أَوْ مَأْمُورِهِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْوَاقِعُ أَنَّهُ يُنَصِّبُهُ أَمِيرُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، لَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ أَمِيرَ صَيْدَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ فِي تِلْكَ الثُّغُورِ وَالْبِلَادِ بِخِلَافِ دِمَشْقَ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ أَمِيرَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيهَا بِدَلِيلِ أَنَّ لَهَا قَاضِيًا فِي كُلِّ سَنَةٍ يَأْتِي مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَاَلَّذِي لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ الَّذِي نَصَّبَهُ الْخَلِيفَةُ، وَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ وَكَذَا الَّذِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ نَاحِيَةً، وَجَعَلَ لَهُ خَرَاجَهَا وَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ وَيَعْزِلَ كَذَا قَالُوا: وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يُصَرِّحَ لَهُ بِالْمَنْعِ أَوْ يَعْلَمَ ذَلِكَ بِعُرْفِهِمْ فَإِنَّ نَائِبَ الشَّامِ وَحَلَبَ فِي دِيَارِنَا يُطْلَقُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي الرَّعِيَّةِ وَالْخَرَاجِ وَلَا يُوَلُّونَ الْقَضَاءَ وَلَا يَعْزِلُونَ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ: وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ اهـ ح، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ تَبَعًا لِلْغُرَرِ تَوْضِيحًا وَشَرْحًا لِلْأُولَى وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا فَغَيْرُ مُفِيدٍ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: فَلِذَا قِيلَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا) سَيَأْتِي بَيَانُ الْفِسْقِ وَالْعَدَالَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَأَفْصَحَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ مَنْ قَالَ إنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْقَضَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>