للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَطَرِيقٌ (وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) أَيْ أَدَائِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ

ــ

[رد المحتار]

يَتَنَاوَلُ أَهْلِيَّةَ الْفَاسِقِ الْجَاهِلِ، وَفِيهِ بَحْثٌ وَأَمَّا الْمُحَكَّمُ فَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ وَيَقْضِي فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ثُمَّ الْقَاضِي تَتَقَيَّدُ وِلَايَتُهُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْحَوَادِثِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَوَاكِهِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ سَيَأْتِي مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ مَعَ بَيَانِ بَقِيَّةِ صِفَةِ الْحَاكِمِ وَشُرُوطِهِ.

(قَوْلُهُ: وَطَرِيقٌ) طَرِيقُ الْقَاضِي إلَى الْحُكْمِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَالطَّرِيقُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَحْضَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ: وَهِيَ إمَّا الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ الْيَمِينُ أَوْ النُّكُولُ عَنْهُ أَوْ الْقَسَامَةُ أَوْ عِلْمُ الْقَاضِي بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَوْ الْقَرَائِنُ الْوَاضِحَةُ الَّتِي تُصَيِّرُ الْأَمْرَ فِي حَيِّزِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَقَدْ قَالُوا لَوْ ظَهَرَ إنْسَانٌ مِنْ دَارٍ بِيَدِهِ سِكِّينٌ وَهُوَ مُتَلَوِّثٌ بِالدَّمِ سَرِيعَ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ أَثَرُ الْخَوْفِ فَدَخَلُوا الدَّارَ عَلَى الْفَوْرِ فَوَجَدُوا فِيهَا إنْسَانًا مَذْبُوحًا بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ غَيْرَ ذَلِكَ الْخَارِجِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا يَمْتَرِي أَحَدٌ فِي أَنَّهُ قَاتِلُهُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ ذَبَحَهُ آخَرُ ثُمَّ تَسَوَّرَ الْحَائِطَ أَوْ أَنَّهُ ذَبَحَ نَفْسَهُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إذْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ، اهـ مِنْ الْفَوَاكِهِ لِابْنِ الْغَرْسِ ثُمَّ أَطَالَ هُنَا فِي بَيَانِ الدَّعْوَى، وَتَعْرِيفِهَا وَشُرُوطِهَا إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّرِيقِ إلَى الْحُكْمِ أَنْ تَكُونَ بِتَمَامِهَا عِنْدَ الْقَاضِي الْوَاحِدِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى عِنْدَ نَائِبِ الْقَاضِي، وَبَرْهَنَ ثُمَّ وَقَعَتْ الْحَادِثَةُ إلَى الْقَاضِي أَوْ بِالْعَكْسِ صَحَّ وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا وَقَعَ أَوَّلًا وَيَقْضِيَ اهـ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ مَتْنًا ثُمَّ قَالَ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ وَاعْتِبَارِهِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخُصُومَةِ لِلشَّرْعِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ أَنَّ بَاطِنَ الْأَمْرِ لَيْسَ كَظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ لَا تَخَاصُمَ وَلَا تَنَازُعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَيْسَ لَهُ سَمَاعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا يُعْتَبَرُ الْقَضَاءُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِيَالُ لِحُصُولِ الْقَضَاءِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ عُذِرَ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ وَلَعَمْرِي هَذَا شَيْءٌ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَبَلَغَتْ شُهْرَةُ اعْتِبَارِهِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى اهـ مُلَخَّصًا، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ بِتَمَامِهِ وَأَقَرَّهُ فَرَاجِعْهُ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي فَتَاوَاهُ. [تَنْبِيهٌ]

بَقِيَ طَرِيقُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ أَيْ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: اعْتِرَافُهُ حَيْثُ كَانَ مَوْلَى فَلَوْ مَعْزُولًا فَكَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا فِيمَا فِي يَدِهِ.

الثَّانِي: الشَّهَادَةُ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا أَمَّا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا، وَقَالَ لَمْ أَقْضِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَرَجَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ، اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ مَعْزُولٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي أَحْكَامِ الْقَضَاءِ يَلْزَمُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) أَهْلُ الْأَوَّلِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالثَّانِي مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْخَبَرِيَّةَ يُحْكَمُ فِيهَا بِمَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ فَإِذَا عُلِمَ زَيْدٌ وَجُهِلَ قِيَامُهُ تَقُولُ زَيْدٌ الْقَائِمُ، وَإِذَا عُلِمَ وَجُهِلَ أَنَّهُ زَيْدٌ تَقُولُ الْقَائِمُ زَيْدٌ؛ وَلِذَا قَالُوا لَمَّا كَانَ أَوْصَافُ الشَّهَادَةِ أَشْهَرَ عِنْدَ النَّاسِ عَرَّفَ أَوْصَافَهُ بِأَوْصَافِهَا ثُمَّ الضَّمِيرُ فِي أَهْلِهِ رَاجِعٌ إلَى الْقَضَاءِ بِمَعْنَى مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَوْ بِمَعْنَى مَنْ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ شُرُوطَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِ الْعَمَى وَالْحَدِّ فِي قَذْفٍ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ، وَلِصِحَّةِ حُكْمِهِ بَعْدَهَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَقْلِيدَ الْكَافِرِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، حَتَّى لَوْ قُلِّدَ الْكَافِرُ، ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ آخَرَ فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَقْلِيدَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَالَ كُفْرِهِ اهـ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ لِرِوَايَةِ صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ أَخْذًا مِنْ كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّحْكِيمِ مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَفِي الْفَتْحِ قُلِّدَ عَبْدٌ فَعَتَقَ جَازَ قَضَاؤُهُ بِتِلْكَ الْوِلَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>