للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ وَأَيْنَ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ وَأَيْنَ الْعِلْمُ (وَمِثْلُهُ) فِيمَا ذَكَرَ (الْمُفْتِي) وَهُوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ الْمُجْتَهِدُ أَمَّا مَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ وَفَتْوَاهُ لَيْسَ بِفَتْوَى بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامٍ كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ) بِقَلْبِهِ (وَلَا يَسْأَلُهُ بِلِسَانِهِ) فِي الْخُلَاصَةِ طَالِبُ الْوِلَايَةِ لَا يُوَلَّى إلَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ: كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ) مَعْدِنٌ عَزِيزُ الْوُجُودِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.

(قَوْلُهُ: وَأَيْنَ الْعِلْمُ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَأَيْنَ الدِّينُ وَالْعِلْمُ. مَطْلَبُ طَرِيقِ التَّنَقُّلِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ.

(قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامٍ) وَطَرِيقُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي نَحْوُ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَنَحْوِهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورِ هَكَذَا ذَكَرَ الرَّازِيّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وُجِدَ بَعْضُ نُسَخِ النَّوَادِرِ فِي زَمَانِنَا لَا يَحِلُّ عَزْوُ مَا فِيهَا إلَى مُحَمَّدٍ وَلَا إلَى أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْتَهَرْ فِي عَصْرِنَا فِي دِيَارِنَا وَلَمْ تُتَدَاوَلْ. نَعَمْ إذَا وُجِدَ النَّقْلُ عَنْ النَّوَادِرِ مَثَلًا فِي كِتَابٍ مَشْهُورٍ مَعْرُوفٍ كَالْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ كَانَ ذَلِكَ تَعْوِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ فَتْحٌ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ.

قُلْت: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ الْآنَ النَّقْلُ مِنْ أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ وَمِنْ الشُّرُوحِ، أَوْ الْفَتَاوَى الْمَشْهُورَةِ أَسْمَاؤُهَا لَكِنَّهَا لَمْ تَتَدَاوَلْهَا الْأَيْدِي حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورَةِ لِكَوْنِهَا لَا تُوجَدُ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ أَوْ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ كَالْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّوَاتُرُ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ بِأَنْ وَجَدَ الْعُلَمَاءَ يَنْقُلُونَ عَنْهُ، وَرَأَى مَا نَقَلُوهُ عَنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ نُسْخَةٍ، فَإِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ هُوَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ أَيْ فِيمَا يَنْقُلُهُ وَالسَّنَدُ لَا يَلْزَمُ تَوَاتُرُهُ وَلَا شُهْرَتُهُ، وَأَيْضًا قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَكْتُبُ فِيهِ إلَى فُقَهَاءِ مِصْرٍ آخَرَ وَأَنَّ الْمُشَاوَرَةَ بِالْكِتَابِ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ فِي الْحَوَادِثِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ احْتِمَالَ التَّزْوِيرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْيَسِيرِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالِهِ فِي شَرْحٍ كَبِيرٍ بِخَطٍّ قَدِيمٍ، وَلَا سِيَّمَا إذَا رَأَى عَلَيْهِ خَطَّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، فَيَتَعَيَّنُ الِاكْتِفَاءُ بِغَلَبِهِ الظَّنِّ، لِئَلَّا يَلْزَمَ هَجْرُ مُعْظَمِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فِقْهٍ وَغَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ زَمَانِنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ) لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ يَنْزِلُ إلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ أُوتِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْت إلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُ الْفَسَادِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَخْذُولٌ فَتْحٌ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: بِقَلْبِهِ) أَرَادَ بِهَذَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ فَالْأَوَّلُ لِلْقَلْبِ وَالثَّانِي لِلِّسَانِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ الطَّلَبُ لَا تَحِلُّ التَّوْلِيَةُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ بَلْ كُلُّ وِلَايَةٍ وَلَوْ خَاصَّةً كَوِلَايَةٍ عَلَى وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ فَهِيَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا فِي الْمَتْنِ وَمِمَّا فِي الْخُلَاصَةِ، أَمَّا إذَا تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُهُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَفْعًا لِظُلْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَيَّنَ، وَلَمْ يُوَلَّ إلَّا بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ وَكَذَا لَمْ أَرَ جَوَازَ عَزْلِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا حَلَّ طَلَبُهُ وَأَنْ يَحْرُمَ عَزْلُهُ حَيْثُ تَعَيَّنَ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ بَحْرٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِرَدِّهِ وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ عَزْلِهِ فَمَمْنُوعٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ بِرِيبَةٍ، وَبِلَا رِيبَةٍ وَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>