أَوْ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ مَشْرُوطَةً لَهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّ الْعَزْلَ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ نَهْرٌ قَالَ: وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ طَلَبَ الْقَضَاءِ لِخَامِلِ الذِّكْرِ لِنَشْرِ الْعِلْمِ (وَيَخْتَارُ) الْمُقَلِّدُ (الْأَقْدَرَ وَالْأَوْلَى بِهِ وَلَا يَكُونُ فَظًّا غَلِيظًا جَبَّارًا عَنِيدًا) لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي إطْلَاقِ اسْمِ خَلِيفَةِ اللَّهِ خِلَافٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (التَّقَلُّدُ) أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ (لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) أَيْ الظُّلْمَ (أَوْ الْعَجْزَ) يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِي الْكَرَاهَةِ ابْنُ كَمَالٍ (وَإِنْ تَعَيَّنَ لَهُ أَوْ أَمِنَهُ لَا) يُكْرَهُ فَتْحٌ ثُمَّ إنْ انْحَصَرَ فُرِضَ عَيْنًا وَإِلَّا كِفَايَةً بَحْرٌ
ــ
[رد المحتار]
يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ اهـ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ لَا يَحِلُّ عَزْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَبْعُدْ كَالْوَصِيِّ الْعَدْلِ اهـ.
قُلْت: وَأَيْضًا حَيْثُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِالسُّؤَالِ فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ الْأَوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ يَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّ فَرْضِيَّةَ الْحَجِّ تَسْقُطُ بِدَفْعِ الرِّشْوَةِ إلَى الْأَعْرَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ فَهَذَا أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا صِحَّةُ عَزْلِهِ فَظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ السُّلْطَانِ وَإِثْمُهُ بِعَزْلِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَزْلِ كَالْوَصِيِّ الْعَدْلِ الْمَنْصُوبِ وَمِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ، فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ عَزْلِهِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّ الْوَصِيَّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَهُوَ خَلِيفَةٌ عَنْ السُّلْطَانِ وَوِلَايَتُهُ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْهُ فَلَهُ عَزْلُهُ كَوَصِيِّ الْقَاضِي هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ مَشْرُوطَةً لَهُ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَطْلُبُ تَنْفِيذَ شَرْطِ الْوَاقِفِ اهـ.
قُلْت: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ طَالِبًا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلٍّ بِالشَّرْطِ، بَلْ يُرِيدُ إثْبَاتَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ مَنْ يُعَارِضُهُ وَمِثْلُهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ إذَا أَرَادَ إثْبَاتَ وِصَايَتِهِ وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تُطْلَبُ التَّوْلِيَةُ عَلَى الْوَقْفِ وَلَوْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَهُ لِإِطْلَاقِهِمْ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ لَهُ طَلَبَ الْعَوْدِ مِنْ الْقَاضِي الْجَدِيدِ وَحِينَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: أَثْبِتْ أَنَّك أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ ثُمَّ يُوَلِّيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: لِخَامِلِ الذِّكْرِ) وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ غَيْرُ الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: وَيَخْتَارُ الْمُقَلِّدُ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا عَنْ الْفَتْحِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَاجِبٌ لِئَلَّا يَكُونَ خَائِنًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ فَظًّا إلَخْ) الْفَظُّ هُوَ الْجَافِي سَيِّئُ الْخُلُقِ وَالْغَلِيظُ قَاسِي الْقَلْبِ وَالْجَبَّارُ مَنْ جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ بِمَعْنَى أَجْبَرَهُ أَيْ لَا يُجْبِرُ غَيْرَهُ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ وَالْعَنِيدُ الْمُعَانِدُ الْمُجَانِبُ لِلْحَقِّ الْمُعَادِي لِأَهْلِهِ بَحْرٌ عَنْ مِسْكِينٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ فِي إمْضَاءِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ) هَذَا يُنَاسِبُ كَوْنَ الْعِبَارَةِ التَّقَلُّدَ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُمَا نُسْخَتَانِ أَيْ فِي الْكَنْزِ التَّقْلِيدُ أَيْ النَّصْبُ مِنْ السُّلْطَانِ وَالتَّقَلُّدُ أَيْ قَبُولُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَهِيَ الْأَوْلَى اهـ، وَهِيَ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَيْضًا إنَّهَا أَوْلَى
قُلْت: وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ قَبُولُ التَّقْلِيدِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ: لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) فَلَوْ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحُكْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ الْعَجْزَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَجْزَ عَنْ سَمَاعِ دَعَاوَى كُلِّ الْخُصُومِ بِأَنْ قَدَرَ عَلَى الْبَعْضِ فَقَطْ وَأَنْ يُرَادَ الْعَجْزُ عَنْ الْقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهِ وَمِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ وَعَدَمِ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مُبَايِنٌ وَعَلَى الثَّانِي أَعَمُّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: ابْنُ كَمَالٍ) أَيْ نَقْلًا عَنْ الْقُدُورِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَيَّنَ لَهُ) أَيْ مَعَ خَوْفِ الْحَيْفِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَإِنْ انْحَصَرَ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ ضَبْطُ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ الْخُصُومَاتِ وَيَتَفَرَّغَ لِذَلِكَ اهـ.