للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالتَّقَلُّدُ رُخْصَةٌ) أَيْ مُبَاحٌ (وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ) بَزَّازِيَّةٌ فَالْأَوْلَى عَدَمُهُ (وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ الدُّخُولُ فِيهِ قَطْعًا) مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي الْحُرْمَةِ فَفِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ) وَلَوْ كَافِرًا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَغَيْرُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَمْنَعُهُ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ فَيَحْرُمُ وَلَوْ فَقَدَ وَالٍ لِغَلَبَةِ كُفَّارٍ وَجَبَ عَلَى

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ ابْنِ الْغَرْسِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَحَاكِمٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفِي النَّوَازِلِ: أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ يَنْفُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ يَنْفُذُ وَهَذَا أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى اهـ. [تَنْبِيهٌ]

لَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لَوْ امْتَنَعَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ وَكَذَا جَوَازُ جَبْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ اهـ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ بِأَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ لَهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ وَلَوْ امْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّقَلُّدُ) أَيْ الدُّخُولُ فِيهِ عِنْدَ الْأَمْنِ وَعَدَمِ التَّعَيُّنِ. مَطْلَبُ مَا كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ يَكُونُ أَدْنَى فِعْلِهِ النَّدْبَ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ إلَخْ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ النِّهَايَةِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْغَالِبَ خَطَأٌ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ نَفْسِهِ الِاعْتِدَالَ، فَيَظْهَرُ مِنْهُ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: وَإِنَّ الدُّخُولَ فِيهِ عَزِيمَةٌ وَالِامْتِنَاعُ رُخْصَةٌ، فَالْأَوْلَى الدُّخُولُ فِيهِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَانَ الدُّخُولُ فِيهِ مَنْدُوبًا لِمَا أَنَّ أَدْنَيْ دَرَجَاتِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ النَّدْبُ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا قُلْنَا نَعَمْ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِيهِ خَطَرًا عَظِيمًا، وَأَمْرًا مَخُوفًا لَا يَسْلَمُ فِي بَحْرِهِ كُلُّ سَابِحٍ، وَلَا يَنْجُو مِنْهُ كُلُّ طَامِحٍ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ عَزِيزٌ وُجُودُهُ. مَطْلَبُ أَبُو حَنِيفَةَ دُعِيَ إلَى الْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ دُعِيَ إلَى الْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى حَتَّى ضُرِبَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثِينَ سَوْطًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ قَالَ حَتَّى أَسْتَشِيرَ أَصْحَابِي، فَاسْتَشَارَ أَبَا يُوسُفَ فَقَالَ لَوْ تَقَلَّدْت لَنَفَعْتَ النَّاسَ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَظَرَ الْمُغْضَبِ، وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أُمِرْت أَنْ أَعْبُرَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً أَكُنْت أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَأَنِّي بِك قَاضِيًا، وَكَذَا دُعِيَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْقَضَاءِ فَأَبَى حَتَّى قُيِّدَ وَحُبِسَ وَاضْطُرَّ فَتَقَلَّدَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ هُنَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ وَلَوْ فَاسِقًا أَوْ جَائِرًا أَوْ جَاهِلًا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حِلِّهِ أَوْ حُرْمَتِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ إلَخْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجَاهِلُ تَأَمَّلْ. وَفِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» .

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ) أَيْ الظَّالِمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ بِالسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ كَالْخَلِيفَةِ، حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَوْلِيَةِ وَاحِدٍ الْقَضَاءَ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَّوْا سُلْطَانًا بَعْدَ مَوْتِ سُلْطَانِهِمْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَهْرٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْت: وَهَذَا حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ وَإِلَّا فَلَهُمْ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي أَيْضًا كَمَا يَأْتِي بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَافِرًا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ أَيْ فِي السُّلْطَانِ الَّذِي يُقَلَّدُ، وَبِلَادُ الْإِسْلَامِ الَّتِي فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ لَا شَكَّ أَنَّهَا بِلَادُ الْإِسْلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>