للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْ فِي شَهَادَاتِ الْمُلْتَقَطِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَ الْمُعْسِرُ مَعْرُوفًا بِالْعُسْرَةِ لَمْ أَحْبِسْهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ فَقْرُهُ ظَاهِرًا سَأَلَ عَنْهُ عَاجِلًا وَقِيلَ بَيِّنَتُهُ عَلَى إفْلَاسِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ نَهْرٌ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْمَدْيُونُ حَلَّفَهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي مُعْسِرٌ أَجَابَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ حَبَسَهُ بِطَلَبِهِ وَإِنْ نَكَلَ خَلَّاهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قُلْت: قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّأْيَ لِمَنْ لَهُ مَلَكَةُ الِاجْتِهَادِ فَتَنَبَّهْ (ثُمَّ) بَعْدَ حَبْسِهِ بِمَا يَرَاهُ لَوْ حَالُهُ مُشْكِلًا عِنْدَ الْقَاضِي وَإِلَّا عَمِلَ بِمَا ظَهَرَ بَحْرٌ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ (سَأَلَ عَنْهُ) احْتِيَاطًا لَا وُجُوبًا وَمِنْ جِيرَانِهِ وَيَكْفِي عَدْلٌ بِغَيْبَةِ دَائِنٍ، وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فَإِنْ وَافَقَ قَوْلُهُ رَأْيَ الْقَاضِي عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا لَا، أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ بَحْثًا وَلَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْخَصْمِ وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا تَنَازَعَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ قُهُسْتَانِيٌّ.

ــ

[رد المحتار]

أَوْ ثَلَاثَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِنِصْفِ حَوْلٍ.

(قَوْلُهُ: لَمْ أَحْبِسْهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنًا أَوْ قَرْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى عِبَارَةِ شَرْحِ الِاخْتِيَارِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ فَقْرُهُ ظَاهِرًا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ فَيَحْبِسُهُ بِمَا يَرَى إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ حَالُهُ مُشْكِلًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدَهُ وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ قَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ ذِكْرِ التَّقْدِيرِ هَذَا إذَا أَشْكَلَ عَلَى أَمْرِهِ أَفَقِيرٌ أَمْ غَنِيٌّ وَإِلَّا سَأَلْت عَنْهُ عَاجِلًا، وَيَعْنِي إذَا كَانَ ظَاهِرَ الْفَقْرِ أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِفْلَاسِ وَأُخَلِّي سَبِيلَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: قَالَ الْمَدْيُونُ) أَيْ بِمَا أَصْلُهُ ثَمَنٌ وَنَحْوُهُ؛ إذْ الْقِسْمُ الثَّانِي الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْلِيفِ الدَّائِنِ نَعَمْ يَتَأَتَّى فِيهِ أَيْضًا إذَا أَثْبَتَ يَسَارَهُ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ إذْ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي بَعْدَ الْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: قُلْت قَدَّمْنَا إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَيَحْبِسُهُ بِمَا رَأَى وَقَدَّمَ الشَّارِحُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ، وَلَا يُخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْقُهُسْتَانِيَّ قَالَ ح أَقُولُ مِثْلُ هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ أَيْ فَإِنَّ مَا يَقْتَضِيهِ حَالُ ذَلِكَ الْمَدْيُونِ مِنْ قَدْرِ مُدَّةِ حَبْسِهِ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَأَظْهَرُهُ يَسْتَوِي فِي عِلْمِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ بِدُونِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَتْنًا وَسَنَدًا كَمَا لَا يَخْفَى، فَالظَّاهِرُ حَمْلُ مَا قَالُوهُ فِيمَا يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي مِنْ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ حَبْسِهِ إلَخْ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي سَأَلَ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: لَوْ حَالُهُ مُشْكِلًا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ حَبَسَهُ بِمَا يَرَاهُ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا بِأَنْ كَانَ فَقْرُهُ ظَاهِرًا وَهَذَا كُلُّهُ يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا لَا وُجُوبًا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِعْسَارِ شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَسْأَلَ وَيَعْمَلَ بِرَأْيِهِ، وَلَكِنْ لَوْ سَأَلَ مَعَ هَذَا كَانَ أَحْوَطَ زَيْلَعِيٌّ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِلَّا فَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي يَغْلِبُ ظَنُّ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ دَفَعَهُ وَجَبَ إطْلَاقُهُ إنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةَ يَسَارِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى سُؤَالٍ.

(قَوْلُهُ: وَيَكْفِي عَدْلٌ) وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُخْبِرُ إنَّ حَالُ الْمُعْسِرِينَ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَحَالُهُ ضَيِّقَةٌ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ سَمَاعَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِمَا بَعْدَ الْحَبْسِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْحَبْسِ لَا تُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا قَبْلَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَرَاهَا الْقَاضِي كَمَا سَنَذْكُرُهُ.

(قَوْلُهُ: بِغَيْبَةِ دَائِنٍ) أَيْ يَكْفِي ذَلِكَ فِي غَيْبَةِ الدَّائِنِ، فَلَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِهَا حَضْرَتُهُ لَكِنْ إذَا كَانَ غَائِبًا سَمِعَهَا وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي مَعَ زِيَادَةِ مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَسْتُورُ إلَخْ) فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْخَصْمِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ بِغَيْبَةِ دَائِنٍ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَنَازَعَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَيَّدَ فِي النِّهَايَةِ الِاكْتِفَاءَ بِالْوَاحِدَةِ بِمَا إذَا لَمْ تَقَعْ خُصُومَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ كَأَنْ ادَّعَى الْمَحْبُوسُ الْإِعْسَارَ وَرَبُّ الدَّيْنِ يَسَارَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِعْسَارِ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، قُلْت: وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ مَا مَرَّ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِعَدْلٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ إذْ لَوْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعِي بِفَقْرِ الْمَحْبُوسِ أَوْ اعْتَرَفَ الْمَحْبُوسُ بِغِنَاهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى سُؤَالٍ وَلَا إلَى إخْبَارٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ نَقْلَ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ الْمَارَّةِ بِزِيَادَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>