للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَافْهَمْ (آخَرَ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إذْ حُكْمُ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ابْنُ كَمَالٍ (نَفَّذَهُ) أَيْ أَلْزَمَ الْحُكْمَ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ

ــ

[رد المحتار]

الْحُكْمُ، لَكِنْ فِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي قَرِيبًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ حَكَمَ بِخِلَافِ رَأْيِهِ، فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ إلَخْ، مَطْلَبٌ فِي عُمُومِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَدَخَلَ إلَخْ قَصَدَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِمَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ صَاحِبَ الْبَحْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ: لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ عَنْ التَّقْيِيدِ. أَمَّا الْعُمُومُ فَمَمْنُوعٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَالتَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ النَّكِرَةَ إنَّمَا تَعُمُّ نَصًّا إذَا وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَمِنْهُ وُقُوعُهَا فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ إذَا كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ كَقَوْلِهِ إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَعَبْدِي حُرٌّ، فَإِنَّ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِهِ فَالْمَعْنَى لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا فَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ. وَلِهَذَا لَا تَعُمُّ فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ مِثْلُ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ لَأُكَلِّمَنَّ رَجُلًا فَلَا تَعُمُّ وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ مِثْلُ إنْ جَاءَك رَجُلٌ فَأَطْعِمْهُ فَلَيْسَ نَصًّا فِي الْعُمُومِ، وَمِثْلُهُ مَا نَحْنُ فِيهِ فَافْهَمْ.

مَطْلَبُ مَا يَنْفُذُ مِنْ الْقَضَاءِ وَمَا لَا يَنْفُذُ.

(قَوْلُهُ: إذْ حُكْمُ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَيْهِ كَذَلِكَ أَيْ كَحُكْمِ قَاضٍ آخَرَ فِي أَنَّهُ يُنْفِذُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ وَيَكُونُ هَذَا رَافِعًا لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي نُفُوذِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَكِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْغَرْسِ سُؤَالًا وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ شَرْعًا، إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ بِصِحَّةِ فِعْلِ نَفْسِهِ فَيَلْغُو اهـ. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَفْعِ الْخِلَافِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْعِ الْخَصْمِ وَإِلْزَامِهِ بِهِ فَلَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: نَفَّذَهُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ.

(قَوْلُهُ: لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ) بِنَصْبِ مُجْتَهَدًا خَبَرًا لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ عَائِدٌ إلَى حُكْمِ الْعَائِدِ إلَيْهِ ضَمِيرُ نَفَّذَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْحُكْمَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، قِسْمٌ يُرَدُّ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَا خَالَفَ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ كَمَا يَأْتِي، وَقِسْمٌ يَمْضِي بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، بِأَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْقَضَاءِ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودَيْنِ بِالْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَكَانَ يَرَاهُ كَشَافِعِيٍّ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ يُمْضِيهِ وَلَا يُبْطِلُهُ، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَآخَرُ أَجْنَبِيٌّ، فَرُفِعَ لِمَنْ لَا يُجِيزُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ أَمْضَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَضَى بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ هَلْ تَصِيرُ حُجَّةً لِلْحُكْمِ أَمْ لَا فَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْحُكْمِ لَا فِي نَفْسِ الْحُكْمِ، وَكَذَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ بِلَا وَكِيلٍ عَنْهُ، وَقَضَى بِهَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ، فَإِذَا رَآهُ صَحَّ، وَسَيَأْتِي اخْتِلَافُ التَّرْجِيحِ فِي الْأَخِيرَةِ. وَقِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ: وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ وَهُوَ مَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ فَقِيلَ يَنْفُذُ، وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ وَحَكَى ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ عَنْ جَدِّهِ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى الثَّانِي فَأَمْضَاهُ يَصِيرُ كَأَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَلَيْسَ لِلثَّالِثِ نَقْضُهُ وَلَوْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي وَبَطَلَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ كَمَا لَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>