عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ وَلَا يُمْضِيهِ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَابْنُ كَمَالٍ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَيُفْتَى بِخِلَافِهِ وَكَأَنَّهُ تَيْسِيرٌ فَلْيُحْفَظْ
ــ
[رد المحتار]
أَوْ لِامْرَأَتِهِ أَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَيُشِيرُ الشَّارِحُ إلَى الْقِسْمِ الْأَخِيرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ ابْنِ الشِّحْنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ تَحْقِيقٍ.
(قَوْلُهُ: عَالِمًا) حَالٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَاضٍ آخَرَ، وَسَاغَ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْهُ وَهُوَ نَكِرَةٌ لِتَخَصُّصِهَا بِالْوَصْفِ، وَهُوَ آخَرَ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ خَبْرًا بَعْدَ خَبَرٍ لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ فِي قَوْلِهِ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِيهَا عَائِدٌ إلَى الْحُكْمِ كَمَا عَلِمْت، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي عَالِمًا عَائِدًا إلَى الْحُكْمِ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَاضِي عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ.
(قَوْلُهُ: عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا شَرْطُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكَوْنِ مَا حَكَمَ بِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ شَرْطٌ، وَأَمَّا عِلْمُهُ بِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً، فَلَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اهـ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ قَضَاءِ الْقَاضِي مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا. وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، بِخِلَافِ رَأْيِهِ إلَخْ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَلَمْ يُوَفِّهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ حَقَّهَا، حَتَّى اشْتَبَهَتْ عَلَى بَعْضِ الْمُحَشِّينَ فَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا بِمَا قَالُوهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ، مَعَ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَافْهَمْ، وَمَسْأَلَةُ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَقَعَ فِيهَا نِزَاعٌ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ رِسَالَةً: حَاصِلُهَا: أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فِي حَادِثَةٍ لَهُ فِيهَا رَأْيٌ مُقَرَّرٌ قَبْلَ قَضَائِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي قَصَدَ فِيهَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ حُكْمُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ بَانَ أَنَّ قَضَاءَهُ هَذَا عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ.
وَأَمَّا إذَا وَافَقَ قَضَاؤُهُ رَأْيَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ قَضَائِهِ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ مِنْهَا قَوْلُ الْإِمَامِ حُسَامِ الدِّينِ الشَّهِيدِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَنْفُذُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ:: رَجُلٌ مَاتَ وَلَهُ مُدَبَّرُونَ حَتَّى عَتَقُوا، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَأَثْبَتَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، فَبَاعَهُمْ الْقَاضِي عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَقَضَى بِجَوَازِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُمْ مُدَبَّرُونَ كَانَ قَضَاؤُهُ بِذَلِكَ بَاطِلًا، وَإِنْ مَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَهُوَ جَوَازُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الضَّابِطَ أُخِذَ مِنْ فَرْعٍ وَقَعَ فِيهِ الْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ السَّابِقِ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يُبَاعُ؛ فَلِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بَاطِلًا وَعَدَمُ الْعِلْمِ دَلِيلُ بَقَاءِ رَأْيِهِ السَّابِقِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَالِمًا وَقَضَى عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ السَّابِقِ حُمِلَ عَلَى تَبَدُّلِ اجْتِهَادِهِ بِدَلِيلِ مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْفِدَاءِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ حَيْثُ قَالَ: مَاتَ وَلَهُ رَقِيقٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَبَاعَ الْقَاضِي رَقِيقَهُ، وَقَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ دَبَّرَهُ، فَإِنَّ بَيْعَ الْقَاضِي فِيهِ يَكُونُ بَاطِلًا، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِتَدْبِيرِهِ وَاجْتَهَدَ وَأَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ لِكَوْنِهِ وَصِيَّةً وَبَاعَهُ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ وُلِّيَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى ذَلِكَ خَطَأً، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ إلَخْ، فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ لَيْسَ هُوَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بَلْ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْحُرِّ.
وَقَالَ الْحُسَامُ أَيْضًا قَالَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَحْدُودَيْنِ شَهِدَا بَعْدَ التَّوْبَةِ كَمَا فِي قَضَاءِ شَرْحِ الْجَامِعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَضَاءَ هَذَا عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلِذَا لَمْ يَنْفُذْ، فَعَدَمُ النَّفَاذِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ لَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute