للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِلَّا كَانَ إفْتَاءً فَيَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ، بَحْرٌ. وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ وَأَنَّهُ إذَا ارْتَابَ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ لَهُ طَلَبُ شُهُودِ الْأَصْلِ قَالَ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ تَنَافِيذَ زَمَانِنَا لَا تُعْتَبَرُ

ــ

[رد المحتار]

هَذَا فِي قَضَاءِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، وَأَنَّ اعْتِبَارَ الْعِلْمِ وَعَدَمَهُ إنَّمَا هُوَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ أَوْ تَبَدُّلِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى وَفْقِ رَأْيِهِ نَفَذَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْخِلَافِ ظَهَرَ لَك أَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا فِي الْقَاضِي الْمُقَلَّدِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ، وَخَرْقٌ لِمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِقَوْلِ إمَامِهِ مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا أَوْ لَا، وَصَارَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَقَاؤُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ نُصُوصُ الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ وَامْتَنَعَ نَقْضُهُ بِالْإِجْمَاعِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ الْحُكْمُ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ كَصِحَّةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَقَبُولِ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ لَا يَصِيرُ مَحْكُومًا بِهِ فِي ضِمْنِ الْحُكْمِ الَّذِي قَصَدَهُ وَهُوَ بَيْعُ عَبْدِ الْمَدْيُونِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَقَبُولُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَنَحْوُهُمَا، إذْ لَا وَجْهَ لِصَيْرُورَتِهِ مَحْكُومًا بِهِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ وَقَصْدٍ لَهُ وَمَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ، وَقَصَدَ الْحُكْمَ بِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ يَصِحُّ حُكْمُهُ بِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ رَأْيِهِ السَّابِقِ لِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فَيَنْفُذُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَمْضَاهُ، وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ، وَحَيْثُ كَانَ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ اشْتِرَاطُ عِلْمِهِ بِالْخِلَافِ فِيمَا قَصَدَ الْحُكْمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ فَلِذَا قَالَ: وَيُفْتَى بِخِلَافِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ فَهِمَ أَيْضًا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي عُسْرِ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قُضَاةِ زَمَانِنَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ إلَخْ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِحُكْمٍ فِي قَوْلِهِ: حُكْمُ قَاضٍ أَوْ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٍ أَيْضًا لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ فِي قَوْلِهِ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ فُقِدَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا وَإِنَّمَا هُوَ إفْتَاءٌ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، وَبِأَنَّهُ شَرْطٌ لِنَفَادِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ هُنَا فِي الْبَحْرِ فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحُكْمَ الْمَرْفُوعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَخُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ وَالْبَزَّازِيُّ وَقَالَا حَتَّى لَوْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ فَتْوَى فَلَوْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ قَضَاءُ مَالِكِيٍّ بِلَا دَعْوَى، لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَيَحْكُمُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ، وَلَا بُدَّ فِي إمْضَاءِ الثَّانِي لِحُكْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا كَمَا سَمِعْت اهـ أَيْ لَا بُدَّ فِي حُكْمِ الثَّانِي إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ، مِنْ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَهَذِهِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةُ تُسَمَّى الْحَادِثَةَ لِحُدُوثِهَا عِنْدَ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ بِهَا، بِخِلَافِ مَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بِدُونِ الْخُصُومَةِ فِيهِ، فَلِذَا لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ بِهِ قَبْلَهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمُوجِبِ قَرِيبًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ الْقَصْدِيِّ الْقَوْلِيِّ دُونَ الضِّمْنِيِّ وَالْفِعْلِيِّ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي الْفُرُوعِ وَكَذَا مَا تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى حِسْبَةً وَمِنْهُ الْوَقْفُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْأَوَّلِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً صَحِيحًا، بَلْ كَانَ إفْتَاءً أَيْ بَيَانًا لِحُكْمِ الْحَادِثَةِ وَإِذَا كَانَ إفْتَاءً لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ تَنْفِيذُهُ بَلْ يَحْكُمُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ وَافَقَ حُكْمَ الْأَوَّلِ أَوْ خَالَفَهُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ) أَيْ فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ الْفَرَائِضِ وَحَاصِلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ إذَا ارْتَابَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي سَيَجِيءُ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَذْكُورٌ هُنَاكَ أَيْضًا اهـ ح لَكِنَّ هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ وَتَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ ط.

(قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ عُرِفَ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>