للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِتَرْكِ مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ تَعَارَفُوا فِي زَمَانِنَا الْقَضَاءَ بِالْمُوجَبِ

ــ

[رد المحتار]

فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحُكْمِ كَوْنُهُ بَعْدَ دَعْوَى صِحَّةٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِتَرْكِ مَا ذَكَرَ) فَمُؤَدَّاهَا إحَاطَةُ الْقَاضِي الثَّانِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ لَهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَرِضٍ عِنْدَهُ وَيُسَمَّى اتِّصَالًا وَيَتَجَوَّزُ بِذِكْرِ الثُّبُوتِ وَالتَّنْفِيذِ فِيهِ اهـ ابْنُ الْغَرْسِ. قُلْت: وَلِلْعَلَّامَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ صَاحِبِ الْبَحْرِ رِسَالَةٌ فِي الْحُكْمِ بِلَا تَقَدُّمِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا لِكَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِلَا دَعْوَى وَيَحْكُمُ بِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَعَلَى هَذَا لَا إنْكَارَ عَلَى التَّنَافِيذِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا لِكُتُبِ الْأَوْقَافِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ بِالْوَقْفِ فَقَوْلُهُمْ إنَّ التَّنَافِيذَ فِي زَمَانِنَا لَيْسَتْ أَحْكَامًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ إلَخْ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَفِي إثْبَاتِ مُجَرَّدِ كَوْنِهِ وَقْفًا، أَمَّا كَوْنُهُ مَوْقُوفًا عَلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ وَأَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ كَذَا أَوْ كَذَا فَهَذَا حَقُّ عَبْدٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَعْوَاهُ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ، وَكَذَا فِي إثْبَاتِ شُرُوطِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَتَأَمَّلْ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَعَارَفُوا إلَخْ) هَذَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ تَنَازُعٌ فِي مُوجَبٍ خَاصٍّ، مِنْ مَوَاجِبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الثَّابِتِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَوَقَعَتْ الدَّعْوَى بِشُرُوطِهَا كَانَ حُكْمًا بِذَلِكَ الْمُوجِبِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِوَقْفِ عَقَارٍ عِنْدَ الْقَاضِي، وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ تَنَازَعَا عِنْدَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فِي صِحَّتِهِ وَلَزِمَهُ، فَحَكَمَ بِهِمَا وَبِمُوجَبِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالشُّرُوطِ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ السَّابِقُ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَيْءٍ فِي حَادِثَةٍ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَا يَكُونُ قَضَاءً فِيمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ إلَى أَنْ قَالَ فَقَدْ عَلِمْت مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ، فَإِذَا قَضَى شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَقَارٍ، وَمُوجِبُهُ لَا يَكُونُ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ لِعَدَمِ حَادِثَتِهَا، وَكَذَا إذَا قَضَى حَنَفِيٌّ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ، وَإِنْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ مِنْ مَوَاجِبِهِ؛ لِأَنَّ حَادِثَتَهَا لَمْ تُوجَدْ وَقْتَ الْحُكْمِ وَلَا شُعُورَ لِلْقَاضِي بِهَا،

وَكَذَا إذَا قَضَى مَالِكِيٌّ بِحِصَّةِ التَّعْلِيقِ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ الْمُجَازِ بِالْفِعْلِ لِعَدَمِهِ وَقْتَهُ فَافْهَمْ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ زَمَانِنَا عَنْهُ غَافِلُونَ اهـ، وَكَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَمَّا كَوْنُ الْحُكْمِ حَادِثَةً فَاحْتِرَازٌ عَمَّا لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ إجَارَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَآجِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ خُصُومَةٌ اهـ، قُلْت: وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُوجَبِ هُنَا الَّذِي لَا يَصِحُّ بِهِ الْحُكْمُ هُوَ مَا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، فَالْبَيْعُ الصَّحِيحُ مُقْتَضَاهُ خُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَاسْتِحْقَاقُ التَّسْلِيمِ، وَالتَّسَلُّمُ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهِ لَكِنَّهَا مُقْتَضَيَاتٌ لَازِمَةٌ لَهُ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمًا بِهَا بِخِلَافِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهِ لِلْخَلِيطِ أَوْ لِلْجَارِ مَثَلًا، فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَيْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ فَكَمْ مِنْ بَيْعٍ لَا تُطْلَبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، فَهَذَا يُسَمَّى مُوجَبَ الْبَيْعِ، وَلَا يُسَمَّى مُقْتَضَى وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ الْمُوجَبَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفَانِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا؛ إذْ الْمُقْتَضَى لَا يَنْفَكُّ، وَالْمُوجَبُ قَدْ يَنْفَكُّ فَالْأَوَّلُ كَانْتِقَالِ الْمَالِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ.

وَالثَّانِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُوجَبُ أَعَمُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>