للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فِي ظَنِّ الْقَاضِي شَرْعًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْضِي بِهِ فَإِذَا حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ كَانَ مَعْنَاهُ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ

ــ

[رد المحتار]

أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ لَوْ الزَّوْجُ كُفُؤًا عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ مَذْهَبُ الْحَاجِرِ، لِعَدَمِ وُجُودِ حَادِثَةِ التَّزَوُّجِ وَقْتَ الْحَجْرِ، وَلَمْ تَكُنْ لَازِمَةً لِلْحَجْرِ حَتَّى تَدْخُلَ ضِمْنًا لِقَبُولِ الِانْفِكَاكِ لِجَوَازِ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ الْمَحْجُورَةُ أَصْلًا، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى كَلَامِهِمْ اهـ. قُلْت: وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ عِنْدَ قَاضٍ شَافِعِيٍّ فَيَحْكُمُ بِصِحَّتِهَا، وَبِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنَّ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ بِالْمَوْتِ لَمْ يَصِرْ حَادِثَةً وَقْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُوجَدْ وَقْتَهُ، فَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِالْفَسْخِ بِالْمَوْتِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْغَرْسِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ وَهَبَ ابْنَهُ وَسَلَّمَهُ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ، وَقَضَى شَافِعِيٌّ بِالْمُوجِبِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ وَتَرَافَعَا عِنْدَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَحَكَمَ بِبُطْلَانِ الرُّجُوعِ قَالَ: وَقَدْ حَصَلَ التَّنَازُعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ بَاطِلٌ؛ لِأَنِّي حَكَمْت قَبْلَهُ بِمُوجِبِ الْهِبَةِ وَمِنْ مُوجَبِهَا عِنْدِي أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ، وَالْحُكْمُ فِي الْخِلَافِيَّةِ يَجْعَلُهَا وِفَاقِيَّةً، وَقَالَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ الرُّجُوعُ حَادِثَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وُجِدَتْ بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَكَيْفَ تَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهِ.

وَأُجِيبَ فِيهَا بِأَنَّ الْمُوجِبَ هُنَا أُمُورٌ هِيَ خُرُوجُ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ، وَدُخُولُهَا فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَلَكَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ إذَا كَانَ أَبًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعَدَمَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ، فَإِنْ كَانَ التَّدَاعِي عِنْدَ الْقَاضِي لَيْسَ إلَّا فِي انْتِقَالِ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ إلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ اقْتَصَرَ الْقَضَاءُ بِالْمُوجَبِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ شَافِعِيًّا لَا يَصِيرُ كَوْنُ الْأَبِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ مَحْكُومًا بِهِ، وَإِذَا كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَصِيرُ عَدَمُ مِلْكِهِ ذَلِكَ مَحْكُومًا بِهِ، فَلِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ: أَيْ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ الثَّانِيَ فِي الثُّبُوتِ قَالَ: فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يُشْتَرَطُ لَهُ الدَّعْوَى الْمُوصِلَةُ لَهُ شَرْعًا عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ الْمُطَابَقَةُ إلَّا مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِلْزَامِ الشَّرْعِيِّ أَيْ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ الْمَارَّةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِيمَا لَمْ يَتَخَاصَمَا إلَيْهِ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا فَاغْتُفِرَ التَّطْوِيلُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَا حَوَاهُ مِنْ الْفَوَائِدِ الْعِظَامِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى) أَيْ كَخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَوُجُوبِ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ، وَلَوَازِمِهِ فَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَحْكُومُ بِهِ الْمُضَافُ إلَى الْمَبِيعِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ فِي ظَنِّ الْقَاضِي شَرْعًا هُوَ الْمُوجَبُ هَا هُنَا، وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِمُوجِبِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، فَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أُضِيفَ إلَى ذَلِكَ الْبَيْعِ فِي ظَنِّ الْقَاضِي شَرْعًا، وَهُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الْبَيْعِ بَاطِلًا وَلَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ هُوَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْبَيْعِ إذْ الْبَيْعُ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ اهـ ابْنُ الْغَرْسِ وَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي قَوْلِهِ بِمَا أُضِيفَ لَهُ هُوَ الْبَيْعُ مَثَلًا، فَإِنَّ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ الْبَيْعِ وَمُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا فِي ظَنِّ الْقَاضِي: أَيْ فِي قَصْدِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْضِي بِهِ: أَيْ يَقْصِدُ الْقَضَاءَ بِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ اللَّازِمَةِ لَهُ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَا يُقْصَدُ الْقَضَاءُ بِهِ لِعَدَمِ التَّنَازُعِ فِيهِ كَثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ، وَأَفَادَ أَنَّ الْمُوجَبَ قَدْ يَكُونُ مُقْتَضًى كَمَا مَثَّلْنَا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُقْتَضًى كَبُطْلَانِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ مُوجَبٌ لَا مُقْتَضًى عَلَى مَا قَرَّرَهُ سَابِقًا فَافْهَمْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعْقِيدِ خَاصٌّ بِالْمُوجَبِ الَّذِي وَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ صَحِيحًا مَعَ أَنَّ الْمُوجِبَ أَعَمُّ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقَ بِذَلِكَ الْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَيْهِ يَصْدُقُ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِيهِ وَثُبُوتِ رَدِّهِ بِخِيَارِ عَيْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُوجَبَ قَدْ يَكُونُ أُمُورًا يَسْتَلْزِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ لَا يَسْتَلْزِمُ، فَالْأَظْهَرُ وَالْأَخْصَرُ تَعْرِيفُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَإِنْ أَرَادَ تَخْصِيصَهُ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ صَحِيحًا عِنْدَنَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُنَا إذَا صَارَ حَادِثَةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>