للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ قَالَ الْمُوَثِّقُ وَحَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ نَهْرٌ (إلَّا مَا) عَرِيَ عَنْ دَلِيلٍ مُجْمَعٍ أَوْ (خَالَفَ كِتَابًا) لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَأْوِيلِهِ السَّلَفُ كَمَتْرُوكِ تَسْمِيَةٍ (أَوْ سُنَّةً مَشْهُورَةً)

ــ

[رد المحتار]

فَيَخْرُجُ مَا لَا حَادِثَةَ فِيهِ كَمَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعٍ بَعْدَ إنْكَارِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَثَلًا، مِمَّا لَيْسَ مِنْ لِوَازِمِهِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ وَغَيْرِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا قَالَ الْمُوَثِّقُ) هُوَ كَاتِبُ الْقَاضِي الَّذِي يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ حُجَّةً فِي زَمَانِنَا.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ) أَيْ مِنْ الْمُقْتَضَى، فَإِنَّ بُطْلَانَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُوجَبٌ لَا مُقْتَضَى لِمَا ذَكَرَهُ فَكُلُّ مُقْتَضًى مُوجَبٌ، وَلَا عَكْسَ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُوَثِّقُ إلَخْ، فَإِنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْثِيلِ بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُوجَبِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مُقْتَضًى، فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ إنَّ الَّذِي ظَهَرَ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا التَّبَايُنَ لَا الْعُمُومَ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: مَجْمَعٌ) لَمْ يُمَثِّلْ لَهُ فِي شَرْحِهِ قَالَ ط: وَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا رَأَيْته بِهَامِشِهِ نَحْوُ الْقَضَاءِ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ عِنْدَ تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ سِنِينَ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَأْوِيلِهِ السَّلَفُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ كِتَابًا وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ اهـ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ مَنْ بَعْدَهُمْ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ.

(قَوْلُهُ: كَمَتْرُوكِ تَسْمِيَةٍ) أَيْ عَمْدًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١]- بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ لِلْعَطْفِ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ النَّهْيِ، أَوْ إلَى الْمَوْصُولِ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهَا حَالِيَّةً فَتَكُونُ قَيْدًا لِلنَّهْيِ رُدَّ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِإِنَّ وَاللَّامَ يَنْفِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِي النَّهْيِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إنْ كَانَ فِسْقًا فَلَا يَصْلُحُ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] ، بَلْ وَهُوَ فِسْقٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلنَّهْيِ بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لَهُ كَلَا تُهِنْ زَيْدًا وَهُوَ أَخُوك، وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْك، نَهْرٌ مُوَضَّحًا وَتَمَامُهُ فِي رِسَالَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ الْمُؤَلَّفَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. مَطْلَبٌ فِي الْحُكْمِ بِمَا خَالَفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ سُنَّةً مَشْهُورَةً) قَيَّدَ بِالْمَشْهُورَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَرِيبِ زَيْلَعِيٌّ، وَلَا بُدَّ هَا هُنَا مِنْ تَقْيِيدِ الْكِتَابِ بِأَنْ لَا يَكُونَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ وَتَقْيِيدِ السُّنَّةِ، بِأَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةً أَوْ مُتَوَاتِرَةً غَيْرَ قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ، وَإِلَّا فَمُخَالَفَةُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ إذَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ كُفْرٌ، كَذَا فِي التَّلْوِيحِ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ أَوْ غَيْرُ مُؤَوَّلٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِثُبُوتِ دَلِيلِ التَّأْوِيلِ، فَيَقَعُ الِاجْتِهَادُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ أَمْ لَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُعْطِي أَنَّ آيَةَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ بَلْ هِيَ نَصٌّ فِي الْمُدَّعَى وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِمَّا مَرَّ، نَهْرٌ، أَيْ مَا مَرَّ مِنْ احْتِمَالِ أَوْجُهِ الْإِعْرَابِ، عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ النَّصِّ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ كَمَا مَرَّ، فَفِي عَدَمِ نَفَاذِ الْحُكْمِ بِمُعَارَضَةٍ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَبَيْعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ اهـ.

قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ عَدَمَ النَّفَاذِ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ السَّلَفُ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِوُجُودِ الْخِلَافِ بَعْدَهُمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُفِيدُ احْتِمَالُ الْآيَةِ أَوْجُهًا مِنْ الْإِعْرَابِ نَعَمْ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ تَصْحِيحِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ يُقَوِّي هَذَا الْبَحْثَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْقَضَاءِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا جَائِزٌ عِنْدَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>