للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ) لِيَحْفَظَ (وَ) كِتَابُ الْحُكْمِ (وَهُوَ السِّجِلُّ الْحُكْمِيُّ) أَيْ الْحُجَّةُ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ الْقَاضِي هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا كِتَابٌ كَبِيرٌ تُضْبَطُ فِيهِ وَقَائِعُ النَّاسِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا لَمْ يَحْكُمْ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ (وَكَتَبَ الشَّهَادَةَ) إلَى قَاضٍ يَكُونُ الْخَصْمُ فِي وِلَايَتِهِ (لِيَحْكُمَ) الْقَاضِي (الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا عَلَى رَأْيِهِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْكَاتِبِ) لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ (وَهُوَ) نَقْلُ الشَّهَادَةِ حَقِيقَةً وَيُسَمَّى (الْكِتَابَ الْحُكْمِيَّ) وَلَيْسَ بِسِجِلٍّ (وَقَرَأَ) الْكِتَابَ (عَلَيْهِمْ) أَوْ أَعْلَمَهُمْ بِمَا فِيهِ (وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ شُهُودِ الطَّرِيقِ

ــ

[رد المحتار]

(قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُوَ الْوَكِيلُ عَنْ الْغَائِبِ أَوْ الْمُسَخَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ أَيْ الْقَاضِي وَكِيلًا لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي قَدْ تَمَّ عَلَى الْأَوَّلِ.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالذَّاتِ فِي هَذَا الْبَابِ بَلْ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ خَصْمٍ لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ كَذَا فِي الدُّرَرِ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي حُكْمَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ حَتَّى يُرَادَ بِالْخَصْمِ فِيهَا الْوَكِيلُ أَوْ الْمُسَخَّرُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي تَارَةً تَكُونُ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، فَيَحْكُمُ بِهَا عَلَيْهِ وَيَكْتُبُ بِحُكْمِهِ كِتَابًا لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ لَا لِيَبْعَثَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ، لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ وَتَارَةً تَكُونُ عَلَى خَصْمٍ غَائِبٍ، وَهِيَ الْآتِيَةُ فَهَذِهِ ذُكِرَتْ تَوْطِئَةً لِتِلْكَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِيَحْفَظَ: أَيْ لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ أَنَّ الْخَصْمَ غَابَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَحَدَ الْحُكْمَ فَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ لِيُسَلِّمَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ لِيُنَفِّذَ حُكْمَهُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَبْعَثَ بِكِتَابِ حُكْمِهِ عَلَى الْخَصْمِ الْحَاضِرِ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَيَكُونُ ذِكْرُهَا مَقْصُودًا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الْكِتَابَ يَكُونُ إلَى الْقَاضِي، وَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَذَلِكَ لِإِمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفًا وَبَرْهَنَ وَحَكَمَ بِهِ، ثُمَّ اصْطَلَحَا أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَخَافَ أَنْ يُنْكِرَ فَكَتَبَ بِهِ لِإِمْضَاءِ قَاضِي الْبَلَدِ.

(قَوْلُهُ هُوَ السِّجِلُّ) بِكَسْرِ السِّينِ وَالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالضَّمَّتَانِ مَعَ التَّشْدِيدِ وَالْفَتْحُ مَعَ سُكُونِ الْجِيمِ وَالْكَسْرُ لُغَاتٌ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَشَّافِ.

(قَوْلُهُ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ الْقَاضِي) بَيَانٌ لِلنِّسْبَةِ فِي قَوْلِهِ الْحُكْمِيِّ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَوْ لَا.

(قَوْلُهُ وَكَتَبَ الشَّهَادَةَ) أَيْ بَعْدَ مَا سَمِعَهَا وَعُدِّلَتْ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْكَاتِبِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ لِأَنَّ السِّجِلَّ مَحْكُومٌ بِهِ دُونَ الْكِتَابِ وَلِهَذَا لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْكِتَابَ دُونَ السِّجِلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي نُسْخَتِهِ وَإِلَّا فَقَدْ وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَتِي وَفِي الْفَتْحِ: وَالْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ لَا يَلْزَمُ الْعَمَلُ إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حُكْمٌ فِي مَحَلِّ اجْتِهَادٍ فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ وَلَا يَعْمَلَ لَهُ.

(قَوْلُهُ وَيُسَمَّى الْكِتَابَ الْحُكْمِيَّ) هَذَا فِي عُرْفِهِمْ نَسَبُوهُ إلَى الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِسِجِلٍّ) لِأَنَّ السِّجِلَّ مَحْكُومٌ بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ.

(قَوْلُهُ وَقَرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى شُهُودِ الطَّرِيقِ وَلَوْ فَسَّرَ الضَّمِيرَ هُنَا وَتَرَكَهُ فِي قَوْلِهِ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ لِيَعُودَ عَلَى مَعْلُومٍ لَكَانَ أَوْلَى ط.

(قَوْلُهُ أَوْ أَعْلَمَهُمْ بِمَا فِيهِ) أَيْ بِأَخْبَارِهِ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِلَا عِلْمِ الْمَشْهُودِ بِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا الصَّكَّ مَكْتُوبٌ عَلَى فُلَانٍ لَا يُفِيدُ مَا لَمْ يَشْهَدُوا بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الدَّيْنِ فَتْحٌ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حِفْظِ مَا فِيهِ وَلِهَذَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ نُسْخَةٌ أُخْرَى مَفْتُوحَةٌ، فَيَسْتَعِينُوا مِنْهَا عَلَى الْحِفْظِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّذَكُّرِ مِنْ وَقْتَ الشَّهَادَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا.

(قَوْلُهُ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ) أَيْ عَلَى الْكِتَابِ بَعْدَ طَيِّهِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْخَتْمِ فِي أَسْفَلِهِ فَلَوْ انْكَسَرَ خَاتَمُ الْقَاضِي أَوْ كَانَ الْكِتَابُ مَنْشُورًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ خَتَمَ فِي أَسْفَلِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدُوا عِنْدَهُ أَنَّ الْخَتْمَ بِحَضْرَتِهِمْ كَمَا فِي الْمُغْنِي، وَاشْتِرَاطُ الْخَتْمِ لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>