للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مِنْ أَعْمَى) أَيْ لَا يَقْضِي بِهَا، وَلَوْ قَضَى صَحَّ، وَعَمَّ قَوْلُهُ (مُطْلَقًا) مَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَا جَازَ بِالسَّمَاعِ خِلَافًا لِلثَّانِي، وَأَفَادَ عَدَمَ قَبُولِ الْأَخْرَسِ مُطْلَقًا بِالْأَوْلَى.

(وَمُرْتَدٍّ وَمَمْلُوكٍ) وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا (وَصَبِيٍّ) وَمُغَفَّلٍ وَمَجْنُونٍ (إلَّا)

ــ

[رد المحتار]

قُلْتُ: وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُرُوءَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حِرْفَةُ أَبِيهِ دَنِيئَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُوَ كَذَلِكَ إنْ عَدَلَ بِلَا عُذْرٍ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ مِنْ أَعْمَى) إلَّا فِي رِوَايَةِ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يُجْزِي فِيهِ التَّسَامُعُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى السَّمَاعِ وَلَا خَلَلَ فِيهِ بَاقَانِيٌّ عَلَى الْمُلْتَقَى كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يَقْضِي بِهَا) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا تَحَمَّلَهُ بَصِيرًا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ غَيْرُ مُوفٍ وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ، وَفِيهِ شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ وَالنِّسْبَةِ لِتَمْيِيزِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ وَصَارَ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ اهـ. بَاقَانِيٌّ عَلَى الْمُلْتَقَى كَذَا فِي الْهَامِشِ.

(قَوْلُهُ بِالسَّمَاعِ) كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ.

(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ فِيهِمَا، وَاسْتَظْهَرَ قَوْلَهُ بِالْأَوَّلِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَقَالَ وَقَوْلُهُ أَظْهَرُ، لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ أَظَهْرِيَّتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بِالثَّانِي فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَاخْتِيَارَهُ.

(قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى إنَّمَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ فِي نِسْبَتِهِ وَهُنَا تَتَحَقَّقُ فِي نِسْبَتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَدْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأُمُورٍ أُخَرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ مُكَاتَبًا) وَالْمُعْتَقُ فِي الْمَرَضِ كَالْمُكَاتَبِ فِي زَمَنِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ.

[تَنْبِيهَاتٌ] مَاتَ عَنْ عَمٍّ وَأَمَتَيْنِ وَعَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا الْعَمُّ فَشَهِدَا بِبُنُوَّةِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ لِأَنَّ فِي قَبُولِهَا ابْتِدَاءً بُطْلَانَهَا انْتِهَاءً؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَمُكَاتَبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الثَّانِيَةَ أُخْتُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا، أَوْ مَعَهَا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ فَيَخْرُجُ الْعَمُّ عَنْ الْوِرَاثَةِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.

أَقُولُ: هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا عِنْدَ سَبْقِ شَهَادَةِ الْأُخْتِيَّةِ فَالْعِلَّةُ فِيهَا هِيَ عِلَّةُ الْبِنْتِيَّةِ فَتَفَقَّهْ. وَفِي الْمُحِيطِ: مَاتَ عَنْ أَخٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَقَالَ عَبْدَانِ مِنْ رَقِيقِ الْمَيِّتِ إنَّهُ أَعْتَقَنَا فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ هَذَا الْآخَرَ ابْنُهُ فَصَدَّقَهُمَا الْأَخُ فِي ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ فِي دَعْوَى الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِمَا بَلْ هُمَا عِنْدَهُ لِلْآخَرِ لِإِقْرَارِ الْأَخِ أَنَّهُ وَارِثٌ دُونَهُ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا فِي النَّسَبِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْآخَرِ أُنْثَى جَازَ شَهَادَتُهُمَا وَثَبَتَ نَسَبُهَا وَيَسْعَيَانِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِمَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فَتَجِبُ السِّعَايَةُ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ: وَأَقُولُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقَانِ كَمَا قَالَا، غَيْرَ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالْبِنْتِيَّةِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَتَفَقَّهْ.

[فَائِدَةٌ] قَضَى بِشَهَادَةٍ فَظَهَرُوا عَبِيدًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، فَلَوْ قَضَى بِوَكَالَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَأَخَذَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ ثُمَّ وُجِدُوا عَبِيدًا لَمْ تَبْرَأْ الْغُرَمَاءُ وَلَوْ كَانَ بِمِثْلِهِ فِي وِصَايَةٍ بَرِئُوا لِأَنَّ قَبْضَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِيصَاءُ كَإِذْنِهِ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ إلَى ابْنِهِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذْ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ لِغَرِيمٍ فِي دَفْعِ دَيْنِ الْحَيِّ لِغَيْرِهِ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فَعَلَى هَذَا مَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا مِنْ تَوْلِيَةِ شَخْصٍ نَظَرَ وَقْفٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ مِثْلِهِ مِنْ قَبْضٍ وَصَرْفٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ أَنَّ إنْهَاءَهُ بَاطِلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَالْوَصِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ، قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ مَا يُؤَيِّدُهُ سَائِحَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَمُغَفَّلٍ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّا نَرُدُّ شَهَادَةَ أَقْوَامٍ نَرْجُو شَفَاعَتَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>