وَيُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمَانِعُ لِصَلَاةٍ (فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ) ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ سَاقِطٌ شَرْعًا وَإِنْ كَثُرَ، وَلِهَذَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ.
(وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (بِعَظْمٍ وَطَعَامٍ وَرَوْثٍ)
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ قُلْفَةَ الْأَقْلَفِ الْقَدْرُ الْمَانِعُ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ. [تَنْبِيهٌ]
مُقْتَضَى اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْمَخْرَجِ أَيْ: وَمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ الشَّرْجِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمُجَاوِزِ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْغَائِطُ الصَّفْحَةَ وَهِيَ مَا يَنْضَمُّ مِنْ الْأَلْيَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْبَوْلُ الْحَشَفَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ اكْتَفَوْا بِالْحَجَرِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ إلَخْ) أَيْ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ إنْ زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ فِي نَفْسِهِ يُفْتَرَضُ غَسْلُهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ زَادَ بِضَمِّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ إلَيْهِ لَا يُفْرَضُ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ عِنْدَهُمَا فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يُضَمَّ إلَى مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ النَّجَسِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفْرَضُ غَسْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ عِنْدَهُ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَيُضَمُّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ غَسْلِهِ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، وَفِيمَا لَوْ أَصَابَهُ نَجَسٌ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. نُوحٌ عَنْ الْبُرْهَانِ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا قَاسِمٌ.
قُلْت: وَعَلَيْهِ الْكَنْزُ وَالْمُصَنِّفُ، وَاسْتَوْجَبَهُ فِي الْحِلْيَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْفَتْحِ حَيْثُ بَحَثَ فِي دَلِيلِهِمَا، وَبِقَوْلِ الْغَزْنَوِيِّ فِي مُقَدِّمَتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: مَنْ اسْتَجْمَرَ بِالْأَحْجَارِ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُمِعَ زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ، وَعَلَيْهِ فَالْوَاجِبُ لَيْسَ غَسْلَ الْمُتَجَاوِزِ بِعَيْنِهِ وَلَا الْجَمِيعِ، بَلْ الْمُتَجَاوِزِ أَوْ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْحِلْيَةِ أَيْ: لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ كَانَ عَفْوًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ غَسْلِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْفَرْضِ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَأْثُورٍ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْهُ فِي الْأَنْجَاسِ نَحْوَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِصَلَاةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَانِعِ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ، وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَ غَسْلِ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ إنَّمَا لَا يُكْرَهُ بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ كَمَا عَرَفْته لَا مُطْلَقًا، فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَحْرِيمًا إلَخْ) كَذَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ أَيْ: فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ " لَا بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ وَطَعَامٍ وَيَمِينٍ.
أَقُولُ: أَمَّا الْعَظْمُ وَالرَّوْثُ فَالنَّهْيُ وَرَدَ فِيهِمَا صَرِيحًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَمَّا سَأَلَهُ الْجِنُّ الزَّادَ فَقَالَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ» وَعَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ لِلرَّوْثِ بِالنَّجَاسَةِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّهَا رِكْسٌ» لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ التَّحْرِيمَ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِحَجَرٍ اُسْتُنْجِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَهْيٌ أَيْضًا. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَإِذَا ثَبَتَ النَّهْيُ فِي مَطْعُومِ الْجِنِّ وَعَلَفِ دَوَابِّهِمْ فَفِي مَطْعُومِ الْإِنْسِ وَعَلَفِ دَوَابِّهِمْ بِالْأَوْلَى. وَأَمَّا الْيَمِينُ فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ» . وَأَمَّا الْآجُرُّ وَالْخَزَفُ فَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ يَضُرُّ الْمَقْعَدَةَ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الضَّرَرَ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا. وَأَمَّا الشَّيْءُ الْمُحْتَرَمُ فَلِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَأَمَّا حَقُّ الْغَيْرِ وَلَوْ جِدَارَ مَسْجِدٍ أَوْ مِلْكَ آدَمِيٍّ فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَدِّي الْمُحَرَّمِ. وَأَمَّا الْفَحْمُ فَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ يَضُرُّ الْمَقْعَدَةَ كَالزُّجَاجِ وَالْخَزَفِ، وَفِيهِ مَا عَلِمْته، نَعَمْ فِي الْحِلْيَةِ رَوَى أَبُو دَاوُد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute