أَنَّهَا فِي الرَّاكِدِ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَفِي الْجَارِي تَنْزِيهِيَّةٌ (وَعَلَى طَرَفِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ أَوْ فِي زَرْعٍ أَوْ فِي ظِلٍّ) يُنْتَفَعُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ (وَبِجَنْبِ مَسْجِدٍ وَمُصَلَّى عِيدٍ، وَفِي مَقَابِرَ، وَبَيْنَ دَوَابَّ، وَفِي طَرِيقِ) النَّاسِ (وَ) فِي (مَهَبِّ رِيحٍ وَجُحْرِ فَأْرَةٍ أَوْ حَيَّةٌ أَوْ نَمْلَةٍ وَثَقْبٍ) زَادَ الْعَيْنِيُّ: وَفِي مَوْضِعٍ يَعْبُرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَوْ يَقْعُدُ عَلَيْهِ، وَبِجَنْبِ طَرِيقٍ أَوْ قَافِلَةٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَفِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ إلَى أَعْلَاهَا، وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِمَا
ــ
[رد المحتار]
تَنْبِيهٌ]
يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَمِثْلُهُ بُيُوتُ الْخَلَاءِ فِي دِمَشْقَ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ مَاءَهَا يَجْرِي دَائِمًا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ مَنْعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ بِهَا بَعْدَ نُزُولِهِ مِنْ الْجُرْنِ إلَى الْأَسْفَلِ لَمْ تَبْقَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَاءِ الْجَارِي لِقُرْبِ اتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِيهِ الْعِلَّةُ الْمَارَّةُ لِلْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُعَدًّا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ نَعَمْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَنَّهُ يَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ اتِّخَاذِ بُيُوتِ الْخَلَاءِ فَوْقَ الْأَنْهَارِ الطَّاهِرَةِ، وَكَذَا إجْرَاءُ مِيَاهِ الْكُنُفِ إلَيْهَا بِخِلَافِ إجْرَائِهَا إلَى النَّهْرِ الَّذِي هُوَ مَجْمَعُ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَالِحِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: وَعَلَى طَرَفِ نَهْرٍ إلَخْ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَصِلْ النَّجَاسَةُ إلَى الْمَاءِ لِعُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَرَازِ فِي الْمَوَارِدِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمَارِّينَ بِالْمَاءِ، وَخَوْفِ وُصُولِهَا إلَيْهِ، كَذَا فِي الضِّيَاءِ عَنْ النَّوَوِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ) أَيْ: لِإِتْلَافِ الثَّمَرِ وَتَنْجِيسِهِ إمْدَادٌ. وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ الثَّمَرَةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يَأْمَنُ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِمَطَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَجَفَافِ أَرْضٍ مِنْ بَوْلٍ. وَيَدْخُلُ فِيهِ الثَّمَرُ الْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ مَشْمُومًا لِاحْتِرَامِ الْكُلِّ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ: وَلَا عَلَى خَضِرَةٍ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي ظِلٍّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةَ الطَّرِيقِ، وَالظِّلَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (قَوْلُهُ: يُنْتَفَعُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلِاجْتِمَاعِ عَلَى مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ يُطْلَبُ ذَلِكَ لِدَفْعِهِمْ عَنْهُ وَيَلْحَقُ بِالظِّلِّ فِي الصَّيْفِ مَحَلُّ الِاجْتِمَاعِ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي مَقَابِرَ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ فِي سِكَّةٍ حَادِثَةٍ فِيهَا حَرَامٌ، فَهَذَا أَوْلَى ط. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ دَوَابَّ) لِخَشْيَةِ حُصُولِ أَذِيَّةٍ مِنْهَا وَلَوْ بِتَنَجُّسٍ بِنَحْوِ مَشْيِهَا. (قَوْلُهُ: وَفِي مَهَبِّ رِيحٍ) لِئَلَّا يَرْجِعَ الرَّشَاشُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَجُحْرٍ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْمُهْمَلَةِ هُوَ مَا يَحْتَفِرُهُ الْهَوَامُّ وَالسِّبَاعُ لِأَنْفُسِهَا قَامُوسٌ، لِقَوْلِ قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ، قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: يُقَالُ إنَّهُ مَسَاكِنُ الْجِنِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَلَيْهِ مِنْ الْجُحْرِ مَا يَلْسَعُهُ أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ بَوْلَهُ.
وَنُقِلَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْخَزْرَجِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَتْهُ الْجِنُّ؛ لِأَنَّهُ بَالَ فِي جُحْرٍ بِأَرْضِ حَوْرَانَ، وَتَمَامُهُ فِي الضِّيَاءِ. (قَوْلُهُ: وَثَقْبٍ) الْخَرْقُ النَّافِذُ قَامُوسٌ، وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَاحِدُ الثُّقُوبِ، وَبِالضَّمِّ جَمْعُ ثُقْبَةٍ كَالثَّقْبِ بِفَتْحِ الْقَافِ. اهـ. مُخْتَارٌ، ثُمَّ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ كَبَالُوعَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: زَادَ الْعَيْنِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَيْضًا الْبَوْلُ عَلَى مَا مُنِعَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ لِاحْتِرَامِهِ كَالْعَظْمِ وَنَحْوِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. (قَوْلُهُ: يَعْبُرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ طَرِيقِ النَّاسِ. (قَوْلُهُ: وَبِجَنْبِ طَرِيقٍ أَوْ قَافِلَةٍ) قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَالْهَوَاءُ يَهَبُ مِنْ صَوْبِهِ إلَيْهَا.
قَالَ فِي الضِّيَاءِ: أَيْ: إلَى الطَّرِيقِ أَوْ الْقَافِلَةِ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ يَقْعُدَ فِي أَسْفَلِهَا وَيَبُولَ إلَى أَعْلَاهَا فَيَعُودَ الرَّشَاشُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْرُجْ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَيَضْرِبَانِ الْغَائِطَ أَيْ: يَأْتِيَانِهِ وَالْمَقْتُ وَهُوَ الْبُغْضُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ أَيْ: مَجْمُوعِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالتَّحَدُّثِ فَبَعْضُ مُوجِبَاتِ الْمَقْتِ مَكْرُوهٌ إمْدَادٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute