يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَهَا فَانْحَرَفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» (إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا فَلَا) بَأْسَ.
(وَكَذَا يُكْرَهُ) هَذِهِ تَعُمُّ التَّحْرِيمِيَّةَ وَالتَّنْزِيهِيَّةَ (لِلْمَرْأَةِ إمْسَاكُ صَغِيرٍ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) وَكَذَا مَدُّ رِجْلِهِ إلَيْهَا (وَاسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ لَهُمَا) أَيْ: لِأَجْلِ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ (وَبَوْلٌ وَغَائِطٍ فِي مَاءٍ وَلَوْ جَارِيًا) فِي الْأَصَحِّ وَفِي الْبَحْرِ
ــ
[رد المحتار]
«قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - رَقِيتُ يَوْمًا عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ وَهَذَا فِعْلٌ، وَالْقَوْلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ وَالْعُذْرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَهَذَا مُبِيحٌ، وَالْمُحَرِّمُ مُقَدَّمٌ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: قُبَالَةَ) بِضَمِّ الْقَافِ بِمَعْنَى تُجَاهَ قَامُوسٌ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: فَانْحَرَفَ عَنْهَا) أَيْ: بِجُمْلَتِهِ أَوْ بِقُبُلِهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ جِهَتِهَا وَالْكَلَامُ مَعَ الْإِمْكَانِ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ) أَيْ: تَقْصِيرُهُ فِي عَدَمِ تَثَبُّتِهِ حَتَّى غَفَلَ وَاسْتَقْبَلَهَا، أَوْ الْمُرَادُ غُفْرَانُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذُنُوبِهِ الصَّغَائِرِ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] . (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَا بَأْسَ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ أَصْلًا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَنْحَرِفْ مَعَ الْإِمْكَانِ فَلَا بَأْسَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي اسْتِعْمَالِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ نَدْبًا
(قَوْلُهُ: هَذِهِ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْآتِيَةِ. أَيْ: بِخِلَافِ كَرَاهَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فَإِنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَأَرَادَ دَفْعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْآتِيَةِ مِثْلُهَا بِمُقْتَضَى ظَاهِرِ التَّشْبِيهِ. (قَوْلُهُ: إمْسَاكُ صَغِيرٍ) هَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الْفِعْلُ مِنْ الْمَرْأَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَدُّ رِجْلِهِ) هِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ ط، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ بِمَدِّ الرِّجْلِ إلَيْهَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ) لِأَنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ، وَقِيلَ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمَا سِرَاجٌ. وَنَقَلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ عَنْ الْمِفْتَاحِ: وَلَا يَقْعُدْ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَلَا مُسْتَدْبِرًا لَهُمَا لِلتَّعْظِيمِ. اهـ.
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا تَنْزِيهِيَّةٌ مَا لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ، وَهَلْ الْكَرَاهَةُ هُنَا فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ كَمَا فِي الْقِبْلَةِ أَمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَقَطْ؟ وَهَلْ اسْتِقْبَالُ الْقَمَرِ نَهَارًا كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهِمَا مُطْلَقًا لَا جِهَتِهِمَا وَلَا ضَوْئِهِمَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَاتِرٌ يَمْنَعُ عَنْ الْعَيْنِ وَلَوْ سَحَابًا فَلَا كَرَاهَةَ، وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ إذَا لَمْ يَكُونَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَإِلَّا فَلَا اسْتِقْبَالَ لِلْعَيْنِ، وَلَمْ أَرَهُ أَيْضًا فَلْيُحَرَّرْ نَقْلًا. ثُمَّ رَأَيْت فِي نُورِ الْإِيضَاحِ قَالَ: وَاسْتِقْبَالُ عَيْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. (قَوْلُهُ: فِي مَاءٍ وَلَوْ جَارِيًا إلَخْ) لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُقَذِّرُهُ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى تَنْجِيسِهِ. وَأَمَّا الرَّاكِدُ الْقَلِيلُ فَيَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَالتَّغَوُّطُ فِي الْمَاءِ أَقْبَحُ مِنْ الْبَوْلِ، وَكَذَا إذَا بَالَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ أَوْ بَالَ بِقُرْبِ النَّهْرِ فَجَرَى إلَيْهِ، فَكُلُّهُ مَذْمُومٌ قَبِيحٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَأَمَّا انْغِمَاسُ الْمُسْتَنْجِي بِحَجَرٍ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، فَهُوَ حَرَامٌ لِتَنْجِيسِ الْمَاءِ وَتَلَطُّخِهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ جَارِيًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا فَلَا تَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَلَا يُقَارِبُهُ، لَكِنَّ اجْتِنَابَهُ أَحْسَنُ اهـ. كَذَا فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيِّ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ تَوْفِيقًا بِصِيغَةِ يَنْبَغِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute