وَفِي الْغَصْبِ مِنْهُ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ سِرَاجِيَّةٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى الْقَصَّارُ إذَا غَلِطَ فَدَفَعَ ثَوْبَ رَجُلٍ لِغَيْرِهِ فَقَطَعَهُ فَكِلَاهُمَا ضَامِنٌ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَصَابَ الْوَدِيعَةَ شَيْءٌ فَأَمَرَ مُودَعٌ رَجُلًا لِيُعَالِجَهَا فَعَطِبَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ لَكِنْ إنْ ضَمَّنَ الْمُعَالِجَ رَجَعَ عَنْ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ اهـ (بِخِلَافِ مُودَعِ الْغَاصِبِ) فَيُضَمِّنُ أَيًّا شَاءَ، وَإِذَا ضَمَّنَ الْمُودَعَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ عَلِمَ عَلَى الظَّاهِرِ دُرَرٌ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْبَاقَانِيُّ وَالْبُرْجُنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَتَنَبَّهْ. .
(مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ: كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ، أَوْدَعَهُ إيَّاهُ، فَنَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ لَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا) وَلَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا
ــ
[رد المحتار]
الْبَرَاءَةَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَفِي الْغَصْبِ إلَخْ) أَيْ إذَا غُصِبَتْ مِنْ الْوَدِيعِ فَادَّعَى الْوَدِيعُ الرَّدَّ يُصَدَّقُ إذْ لَمْ يَفْعَلْ الْوَدِيعُ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ أَمِينٌ عِنْدَ الرَّدِّ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ دَفْعِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ سَائِحَانِيٌّ. [فَرْعٌ] .
دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ بِالرَّيِّ فَمَاتَ الدَّافِعُ فَدَفَعَ الْمُودَعُ الْمَالَ إلَى رَجُلٍ لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ بِالرَّيِّ فَأُخِذَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ لِأَنَّهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَلَوْ كَانَ الدَّافِعُ حَيًّا ضَمِنَ الْمُودَعُ، لِأَنَّهُ وَكِيلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ فِي عِيَالِهِ فَلَا يَضْمَنُ حِينَئِذٍ خَانِيَّةٌ بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةً فَقَالَ: دَفَعْتَهُ إلَيَّ لِأَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَدَفَعْتُ يَصِحُّ الدَّفْعُ بَزَّازِيَّةٌ مِنْ الدَّعْوَى.
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ ضَمِنَ الْمُعَالِجُ رَجَعَ عَلَى الْمُودَعِ، عَلِمَ أَنَّهَا لِلْغَيْرِ أَوْ لَا، إلَّا إنْ قَالَ الْمُودَعُ لَيْسَتْ لِي وَلَمْ أَوْ مَرَّ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَرْجِعُ اهـ تَأَمَّلْ.
[فَرْعٌ] .
وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَقُمْتُ وَنَسِيتُهَا فَضَاعَتْ يَضْمَنُ، وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ فِي دَارِي، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنَّ مِمَّا لَا يُحْفَظُ فِي عَرْصَةِ الدَّارِ كَسُرَّةِ النَّقْدَيْنِ يُضْمَنُ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا تُعَدُّ عَرْصَتُهَا حِصْنًا لَهُ لَا يُضْمَنُ بَزَّازِيَّةٌ وَخُلَاصَةٌ وَفُصُولَيْنِ وَذَخِيرَةٌ وَخَانِيَّةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ حِفْظُ كُلِّ شَيْءٍ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ تَأَمَّلْ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي السَّرِقَةِ: أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ كُلُّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ، فَهُوَ حِرْزٌ لِكُلِّ الْأَنْوَاعِ، فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ لُؤْلُؤَةٍ مِنْ إصْطَبْلٍ تَأَمَّلْ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرْزِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قَطْعِ السَّارِقِ بِتِلْكَ الْحِرْزُ، وَذَلِكَ لَا يَتَفَاوَتُ بِاعْتِبَارِ الْمُحْرَزَاتِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الْمُودَعِ التَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَهَا فِي دَارِهِ الْحَصِينَةِ وَخَرَجَ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ غَيْرَ أَمِينَةٍ يَضْمَنُ، وَلَوْ أَحَدٌ سَرَقَهَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ لِلتَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ، وَلَوْ وَضَعَهَا فِي الدَّارِ وَخَرَجَ، وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ أَوْ فِي الْحَمَّامِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ الطَّرِيقِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَغَابَ يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ سَارِقُهَا، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ فَإِذَا اعْتَبَرْنَا هُنَا الْحِرْزَ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّرِقَةِ لَزِمَ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَحْوِهَا فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَظَهَرَ يَقِينًا صِحَّةُ مَا قُلْنَا مِنْ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِهِ ظَهَرَ جَوَابُ حَادِثَةٍ: وَهِيَ أَنَّ مُودَعًا وَضَعَ بُقْجَةَ شَالٍ غَالِيَةَ الثَّمَنِ فِي إصْطَبْلِ الْخَيْلِ فَسُرِقَتْ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ قُطِعَ سَارِقُهَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُودَعِ الْغَاصِبِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً (قَوْلُهُ دُرَرٌ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: فَنَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ) صُوَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٌ: أَقَرَّ لَهُمَا، نَكَلَ لَهُمَا، حَلَفَ لَهُمَا، أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا، وَنَكَلَ لِلْآخَرِ أَوْ حَلَفَ، نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا وَحَلَفَ لِلْآخَرِ. سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ يَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ الْإِيدَاعَ كَمَا إذَا ادَّعَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute