وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ:
وَأَفَادَ فَسَادَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَخْذِ كَرْمِ الْوَقْفِ أَوْ الْيَتِيمِ مُسَاقَاةً، فَيَسْتَأْجِرُ أَرْضَهُ الْخَالِيَةَ مِنْ الْأَشْجَارِ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ، وَيُسَاقِي عَلَى أَشْجَارِهَا بِسَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ، فَالْحَظُّ ظَاهِرٌ فِي الْإِجَارَةِ لَا فِي الْمُسَاقَاةِ فَمُفَادُهُ فَسَادُ الْمُسَاقَاةِ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ عَلَى حِدَةٍ.
ــ
[رد المحتار]
كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا كَانَ شَرًّا لَهُ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْفَسَادُ فِي الْكُلِّ اهـ، وَقَوْلُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عُقُودٌ: كُلُّ عَقْدٍ ثَلَاثُ سِنِينَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَآخِرُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُفْسَخُ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الضِّيَاعِ وَعَلَى السَّنَةِ فِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَقْدًا وَاحِدًا زَائِدًا عَلَى مَا ذُكِرَ أَوْ عُقُودًا مُتَفَرِّقَةً، حَتَّى لَوْ عَقَدَ فِي الضِّيَاعِ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مَثَلًا بِعَقْدٍ أَوْ أَكْثَرَ يَصِحُّ فِي ثَلَاثٍ وَيُفْسَخُ فِي الْبَاقِي، وَهَلْ يَحْتَاجُ ذَلِكَ الْفَسْخُ إلَى طَلَبِ النَّاظِرِ أَمْ يَنْفَسِخُ بِدُخُولِ الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَتَمَامُهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ.
قُلْتُ: لَكِنْ فِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: اسْتَأْجَرَ حُجْرَةً مَوْقُوفَةً ثَلَاثِينَ سَنَةً بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ فَهِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا فِي السَّنَةِ الْأُولَى اهـ وَمِثْلُهُ فِي تَلْخِيصِ الْكُبْرَى مَعْزِيًّا إلَى أَبِي جَعْفَرٍ اهـ، وَمُقْتَضَاهُ الْبُطْلَانُ بِلَا طَلَبٍ
(قَوْلُهُ وَأَفَادَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ: قُلْتُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا فَسَادُ مَا يَقَعُ إلَخْ (قَوْلُهُ فَيَسْتَأْجِرُ أَرْضَهُ الْخَالِيَةَ) أَيْ بَيَاضَهَا بِدُونِ الْأَشْجَارِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ أَيْضًا لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ، فَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ قَصْدًا فَهِيَ بَاطِلَةٌ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَسَيَأْتِي فِي إجَارَةِ الظِّئْرِ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةَ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْأَعْيَانِ مَقْصُودٌ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ بُسْتَانًا لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ.
قَالَ: وَبِهِ عُلِمَ حُكْمُ إجَارَاتِ الْأَرَاضِي وَالْقُرَى الَّتِي فِي يَدِ الْمُزَارِعِينَ لَا كُلِّ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ مِنْهَا، وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهَا وَالْحَالُ هَذِهِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِذَلِكَ مِرَارًا اهـ (قَوْلُهُ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ) أَيْ بِمِقْدَارِ مَا يُسَاوِي أُجْرَةَ الْأَرْضِ وَثَمَنَ الثِّمَارِ (قَوْلُهُ وَيُسَاقِي عَلَى أَشْجَارِهَا) يَعْنِي قَبْلَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَإِلَّا كَانَتْ إجَارَةُ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً فَلَا تَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي مَسَائِلِ الشُّيُوعِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ أَوْ أَخَذَهَا زِرَاعَةً وَفِيهَا أَشْجَارٌ، إنْ كَانَ فِي وَسَطِهَا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْوَسَطِ شَجَرَتَانِ صَغِيرَتَانِ مَضَى عَلَيْهِمَا حَوْلٌ أَوْ حَوْلَانِ لَا كَبِيرَتَانِ؛ لِأَنَّ وَرَقَهُمَا وَظِلَّهُمَا يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالصِّغَارَ لَا عُرُوقَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي جَانِبٍ مِنْ الْأَرْضِ كَالْمُسَنَّاةِ وَالْجَدَاوِلِ يَجُوزُ لِعَدَمِ الْإِخْلَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ بِسَهْمٍ) أَيْ بِإِعْطَاءِ سَهْمٍ وَاحِدٍ لِلْيَتِيمِ أَوْ الْوَقْفِ وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ (قَوْلُهُ فَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَتُفْسَخُ فِي كُلِّ الْمُدَّةِ إلَخْ: وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَفَادَهُ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ بِمَعْنَى مَا اسْتَفَادَهُ مِنْهُ الشَّارِحُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي كُلِّ الْمُدَّةِ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لِلْيَتِيمِ وَشَرٌّ لَهُ فَفَسَادُ عَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ لِلْيَتِيمِ أَوْلَى بِالْفَسَادِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ حَيْثُ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ بَقِيَتْ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً فَيَلْزَمُ فَسَادُ الْإِجَارَةِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ فِيهَا ظَاهِرَيْنِ، فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ.
وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ: التَّنْصِيصُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى بَيَاضِ الْأَرْضِ لَا يُفِيدُ الصِّحَّةَ حَيْثُ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بِشُرُوطِهِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِذَا فَسَدَتْ صَارَتْ الْأُجْرَةُ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَالْمُسْتَحَقُّ إنَّمَا هُوَ الثَّمَرَةُ فَقَطْ، وَحَيْثُ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ لِكَوْنِهَا بِجُزْءٍ يَسِيرٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْفِ.