وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ حَدًّا، وَقِيلَ كُفْرًا (وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا) بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ (مَعَ جَمَاعَةٍ) مُؤْتَمًّا مُتَمِّمًا وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ
ــ
[رد المحتار]
بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ) وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا، وَبُسِطَ ذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا صَلَّى بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا لِوُجُودِهَا فِي سَائِرِ الْأُمَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَهُوَ مِنَّا» قَالُوا الْمُرَادُ صَلَاتُنَا بِالْجَمَاعَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ. اهـ. دُرَرٌ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ أَنَّهُ قَالَ فَهُوَ الْمُسْلِمُ إسْمَاعِيلُ.
(قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ) قَيَّدَ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ كَوْنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ، وَعَلَيْهِ فَالشُّرُوطُ خَمْسَةٌ، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْوَقْتِ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلَةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً لَا يَكْفِي لِعَدَمِ كَوْنِهَا فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَتْ أَدَاءً فَهِيَ غَيْرُ كَامِلَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْوَقْتِ الْأَدَاءَ، بَلْ الْأَخَصُّ مِنْهُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: مُؤْتَمًّا) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ مَعَ جَمَاعَةٍ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ إمَامًا قَالَ ط: لِأَنَّ الِائْتِمَامَ يَدُلُّ عَلَى اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ إمَامًا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ نِيَّةَ الِانْفِرَادِ فَلَا جَمَاعَةَ. اهـ.
أَقُولُ: الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ مَوْجُودٌ فِي الْمُؤْتَمِّ أَيْضًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْإِمَامُ مَتْبُوعٌ غَيْرُ تَابِعٍ وَالْمُؤْتَمُّ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِهِ، وَمَا قَيَّدَ بِهِ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّظْمِ الْآتِي تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ، وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ فَقَالَ: صَلَّى إمَامًا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ.
(قَوْلُهُ: مُتَمِّمًا) فَلَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَفْسَدَ لَمْ يَكُنْ إسْلَامًا شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى. مَطْلَبٌ فِيمَا يَصِيرُ الْكَافِرُ بِهِ مُسْلِمًا مِنْ الْأَفْعَالِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ) لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ، أَرَادَ تَتْمِيمَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا فَذَكَرَ أَنَّ مِنْهَا الْأَذَانَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ دِينِنَا وَشِعَارِ شَرْعِنَا؛ وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْمِنَحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِكَوْنِ الْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ لِإِتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي ضِمْنِ الْأَذَانِ لِيَكُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَهُ بَلْ هُوَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ؛ وَلِذَا صَرَّحَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ عِيسَوِيًّا يُخَصِّصُ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا قِسْمَانِ: قَوْلٌ وَفِعْلٌ، فَالْقَوْلُ مِثْلُ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ، فَصَّلَ فِيهِ أَئِمَّتُنَا لِكَوْنِهِ مَحَلَّ اشْتِبَاهٍ وَاحْتِمَالٍ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالُوا لَا بُدَّ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ، فِي الْعِيسَوِيِّ مِنْ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْعَرَبِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّبَرِّي، وَأَمَّا الْفِعْلُ فَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ أَيْضًا خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ؛ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَيْضًا: وَأَمَّا الْأَذَانُ خَارِجَ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ الْعِيسَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْأَقْوَالِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ حِينَئِذٍ مِنْ التَّبَرِّي مِنْ دِينِهِ. اهـ.
قُلْت: وَكَذَا لَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ غَيْرِ الْعِيسَوِيِّ أَيْضًا لِمَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَذَّنَ