أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ زَكَّى السَّائِمَةَ صَارَ مُسْلِمًا، لَا لَوْ صَلَّى فِي غَيْرِ الْوَقْتِ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا، أَوْ أَفْسَدَهَا أَوْ فَعَلَ بَقِيَّةَ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا، وَنَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ فَقَالَ
ــ
[رد المحتار]
فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَهْزِئًا، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَذَانَ فِي الْوَقْتِ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَافِرٍ، وَالْأَذَانَ خَارِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْقَوْلِ، لَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الِاسْتِهْزَاءَ لَمْ يَصِرْ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِيسَوِيًّا يَزِيدُ أَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَهُ وَهُوَ التَّبَرِّي، فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. بَقِيَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ الْمُدَاوَمَةُ أَمْ يَكْفِي مَرَّةً؟ يَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ) أَيْ عِنْدَ سَمَاعِ آيَةِ سَجْدَةٍ بَزَّازِيَّةٌ: أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِنَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ الْكُفَّارِ بِأَنَّهُمْ {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢١] .
(قَوْلُهُ: أَوْ زَكَّى السَّائِمَةَ) قَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي نَظْمِ الْفَوَائِدِ بِزَكَاةِ الْإِبِلِ. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ صَامَ الْكَافِرُ أَوْ حَجَّ أَوْ أَدَّى الزَّكَاةَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: لَا لَوْ صَلَّى إلَخْ) مُحْتَرَزُ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مُنْفَرِدًا) لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ نَفَى الْخِلَافَ بِحَمْلِ قَوْلِهِ عَلَى مَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ اتِّفَاقًا، وَحُمِلَ قَوْلُهُمَا عَلَى مَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ وَأَتَى بِهِمَا فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِشَرِيعَتِنَا. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا التَّوْفِيقِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْعِبَادَةِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ لِيَظْهَرَ الِاخْتِصَاصُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ اهـ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِانْفِرَادَ نُقْصَانٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ إمَامًا) قَدَّمْنَا وَجْهَهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فَعَلَ بَقِيَّةَ الْعِبَادَاتِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: الْأَصْلُ أَنَّ الْكَافِرَ مَتَى فَعَلَ عِبَادَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ لَا يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا كَالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ الَّذِي لَيْسَ بِكَامِلٍ وَالصَّدَقَةِ. وَمَتَى فَعَلَ مَا اخْتَصَّ بِشَرْعِنَا، فَلَوْ مِنْ الْوَسَائِلِ كَالتَّيَمُّمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ مِنْ الْمَقَاصِدِ أَوْ مِنْ الشَّعَائِرِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ وَالْحَجِّ الْكَامِلِ وَالْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. اهـ.
أَقُولُ: ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ بِالْحَجِّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ إنْ حَجَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ يَكُونُ مُسْلِمًا، وَإِنْ لَبَّى وَلَمْ يَشْهَدْ الْمَنَاسِكَ أَوْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ وَلَمْ يُلَبِّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَشَارَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ إلَى ضَعْفِهَا وَإِلَيْهِ يُشِيرُ إطْلَاقُ النَّظْمِ الْآتِي وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْحَجَّ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا حَتَّى إنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَحُجُّونَ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحَجَّ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا فَصَارَ مِثْلَ الصَّلَاةِ إذَا وُجِدَتْ فِيهَا الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ خَوَاصِّ شَرِيعَتِنَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، فَكَذَا الْحَجُّ الْكَامِلُ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا جُعِلَتْ الثَّانِيَةُ مُفَسِّرَةً لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْحَجُّ الْغَيْرُ الْكَامِلِ فَتَأَمَّلْ. وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ عَنْ خُلَاصَةِ النَّوَازِلِ لِأَبِي اللَّيْثِ قَالَ: وَكَذَا لَوْ رَآهُ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ أَوْ يَقْرَؤُهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُسْلِمًا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ لَمَّا قَالُوا لَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ لَعَلَّهُ يَهْتَدِي فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَنَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ إلَخْ) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ.
(قَوْلُهُ: صَلَّى بِاقْتِدَاءٍ) أَيْ بِجَمَاعَةٍ مُقْتَدِيًا.
(قَوْلُهُ: وَأَذَّنَ أَيْضًا) بِإِسْقَاطِ هَمْزَةِ أَيْضًا لِلضَّرُورَةِ ح، ثُمَّ إنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي النَّهْرِ غَيْرُ هَذَا الْبَيْتِ، وَنَصُّهُ:
أَوْ بِالْأَذَانِ مُعْلِنًا فِيهِ أَتَى ... أَوْ قَدْ سَجَدَ عِنْدَ سَمَاعِ مَا أَتَى
اهـ