للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا ضَرْبُهُ دَابَّةَ نَفْسِهِ فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَضْرِبُهَا أَصْلًا، وَيُخَاصَمُ فِيمَا زَادَ عَلَى التَّأْدِيبِ (وَ) ضَمِنَ (بِنَزْعِ السَّرْجِ وَ) وَضْعِ (الْإِيكَافِ) سَوَاءٌ وَكَفَ بِمِثْلِهِ أَوْ لَا (وَبِالْإِسْرَاجِ بِمَا لَا يُسْرَجُ) هَذَا الْحِمَارُ (وَبِمِثْلِهِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ) وَلَوْ بِمِثْلِهِ أَوْ أَسْرَجَهَا

ــ

[رد المحتار]

أَنَّ الضَّرْبَ مَأْذُونٌ فِيهِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخَسَ بَعِيرَ جَابِرٍ وَضَرَبَهُ» وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَنْخُسُ بَعِيرَهُ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ، وَلَا يَنْفِي الضَّمَانَ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ اهـ.

فَالْحَاصِلُ إبَاحَةُ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ لِلتَّأْدِيبِ لِلْمَالِكِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَأْجِرٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا ضَرْبُهُ دَابَّةَ نَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْرِبُهَا أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَهُ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ.

ثُمَّ قَالَ: لَا يُخَاصَمُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ وَيُخَاصَمُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ.

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَضْرِبُهَا أَصْلًا. أَيْ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ لِلتَّأْدِيبِ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ التَّأْدِيبِ الْمُعْتَادِ مُبَاحًا، فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَا يُخَاصَمُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ.

وَنَقَلَ ط عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْحَمَوِيِّ قَالُوا: يُخَاصَمُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ بِلَا وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ إنْكَارُ حَالِ مُبَاشَرَةِ الْمُنْكَرِ، وَيَمْلِكُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَلَا يُخَاصَمُ الضَّارِبُ بِوَجْهٍ إلَّا إذَا ضَرَبَ الْوَجْهَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ وَلَوْ بِوَجْهٍ.

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ: يُطَالَبُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ لَا بِوَجْهِهِ إلَّا بِوَجْهِهِ

١ -

(قَوْلُهُ وَبِنَزْعِ السَّرْجِ وَالْإِيكَافِ) أَفَادَ الْحَمَوِيُّ وَالشَّلَبِيُّ أَنَّ مُجَرَّدَ نَزْعِ السَّرْجِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ.

وَفِي الْجَوْهَرَةِ: اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ لَمْ يَرْكَبْهَا عُرْيَانَا، وَلَا يَحْمِلُ مَتَاعًا، وَلَا يَسْتَلْقِي، وَلَا يَتَّكِئُ عَلَى ظَهْرِهَا، بَلْ يَرْكَبُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ط مُلَخَّصًا.

بَقِيَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ يَضْمَنُ.

وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِهِ: هَذَا لَوْ حِمَارًا لَا يُسْرَجُ مِثْلُهُ عَادَةً، فَلَوْ كَانَ يُسْرَجُ لَا يَضْمَنُ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: فَصَّلَ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا إنْ لِيَرْكَبَهُ خَارِجَ الْمِصْرِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا لَوْ فِيهِ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَهَلْ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا زَادَ؟ صَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْأَوَّلَ.

قُلْتُ: وَيَنْبَغِي كَوْنُ الْأَصَحِّ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّهُ كَالْحِمْلِ الزَّائِدِ عَلَى الرُّكُوبِ غَايَةُ الْبَيَانِ مُلَخَّصًا.

أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ مَوْضِعَ الْحِمْلِ ضَمِنَ الْكُلَّ، وَقَدْ نَقَلَهُ الأتقاني نَفْسُهُ فَتَدَبَّرْ.

وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. (قَوْلُهُ وَوَضْعِ الْإِيكَافِ) لَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ هَذَا الْمُضَافِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْإِيكَافِ وَضْعُ الْإِكَافِ ح. أَيْ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْإِيكَافُ مَصْدَرًا بِالْإِكَافِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِمَا يُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ، وَالدَّاعِيَ لِتَقْدِيرِهِ الْمُضَافَ إفَادَتُهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى نَزْعِ لَا عَلَى السَّرْجِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ وُكِفَ بِمِثْلِهِ أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ لِلْحَمْلِ وَالسَّرْجَ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبَسِطُهُ الْآخَرُ فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالْحَدِيدِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِالْإِسْرَاجِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِيكَافِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ الْجَارَّةِ وَعَطْفُهُ بِأَوْ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِئَلَّا يُوهِمَ الْعَطْفَ عَلَى نَزْعٍ.

قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: أَيْ إنْ نَزَعَ السَّرْجَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا السَّرْجُ مِمَّا لَا يُسْرَجُ هَذَا الْحِمَارُ بِمِثْلِهِ يَضْمَنُ (قَوْلُهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْرَ مَا زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، هَذَا إذَا كَانَ الْحِمَارُ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوكَفُ أَصْلًا أَوْ لَا يُوكَفُ بِمِثْلِهِ ضَمِنَ كُلَّ الْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْحَقَائِقِ ابْنُ كَمَالٍ، وَنَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا.

قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَتَكَلَّمُوا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمِسَاحَةِ، حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>