للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُجْتَبَى (وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ فِي الْأَمَانَةِ بَاطِلٌ كَالْمُودَعِ (وَبِهِ يُفْتَى) كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ.

ــ

[رد المحتار]

تَعْجِيلَهُ كَمَا فِي السَّعْدِيَّةِ، وَقَدَّمْنَاهُ أَوَائِلَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْأَجْرَ إذَا فَرَغَ وَسَلَّمَهُ فَهَلَكَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ يَسْقُطُ الْأَجْرُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ، وَمَا لَا أَثَرَ لَهُ كَحَمَّالٍ لَهُ الْأَجْرُ كَمَا فَرَغَ وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ. (قَوْلُهُ مُجْتَبَى) عِبَارَتُهُ: شَارَطَ قَصَّارًا عَلَى أَنْ يُقَصِّرَ لَهُ ثَوْبًا مَرْوِيًّا بِدِرْهَمٍ وَرَضِيَ بِهِ فَلَمَّا رَأَى الثَّوْبَ الْقَصَّارُ قَالَ: لَا أَرْضَى فَلَهُ ذَلِكَ وَكَذَا الْخَيَّاطُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَحَلِّ وَمَا لَا فَلَا، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ لِيَكِيلَ لَهُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ أَوْ يُحْجِمَ عَبْدَهُ فَلَمَّا رَأَى مَحَلَّ الْعَمَلِ امْتَنَعَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى عَمَلٍ فِي مَحَلٍّ هُوَ عِنْدَهُ جَائِزٌ وَمَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَلَا كَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ اهـ مِنَحٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ الْخَامِسِ

١ -

(قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْهَلَاكَ إمَّا بِفِعْلِ الْأَجِيرِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إمَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ لَا. وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يُمْكِنَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ أَوْ لَا، فَفِي الْأَوَّلِ بِقِسْمَيْهِ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا. وَفِي ثَانِي الثَّانِي لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا وَفِي أَوَّلِهِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا وَيَضْمَنُ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا. وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ مُصْلِحًا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ غَيْرَ مُصْلِحٍ ضَمِنَ، وَإِنْ مَسْتُورًا فَالصُّلْحُ اهـ ح وَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمُصْلِحُ وَغَيْرُهُ.

مَطْلَبٌ يُفْتَى بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ: لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ مَا هَلَكَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقَالَا يَضْمَنُ إلَّا مِنْ حَرْقٍ غَالِبٍ أَوْ لُصُوصٍ مُكَابِرِينَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ اهـ. قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كُلُّهَا مُصَحَّحَةٌ مُفْتًى بِهَا، وَمَا أَحْسَنَ التَّفْصِيلِ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَهُمَا مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَبِهِ يُفْتَى احْتِشَامًا لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ: وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَبِهِ يَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِهِمْ اهـ.؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ رُبَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ سُرِقَ أَوْ ضَاعَ مِنْ يَدِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ مَلِكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَفِي الْمُحِيطِ: الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَلَوْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ حِينَئِذٍ تَكُونُ أَمَانَةً لِكَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ مَضْمُونَةً بِأَجْرِ الْمِثْلِ اهـ. قُلْتُ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ الْهَالِكُ مُحْدَثًا فِيهِ الْعَمَلُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ لِلْحَدَّادِيِّ أَوْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ مَا يُحْدِثُ فِيهِ الْعَمَلُ، لِمَا فِي الْبَدَائِعِ: رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مُصْحَفًا يَعْمَلُ فِيهِ وَدَفَعَ الْغِلَافَ مَعَهُ أَوْ سِكِّينًا لِيَصْقُلَهُ وَدَفَعَ الْجَفْنَ مَعَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْمُصْحَفَ وَالْغِلَافَ وَالسَّيْفَ وَالْجَفْنَ؛ لِأَنَّ الْمُصْحَفَ وَالسَّيْفَ لَا يَسْتَغْنِيَانِ عَنْ الْغِلَافِ وَالْجَفْنِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مُصْحَفًا يَعْمَلُ لَهُ غِلَافًا أَوْ سِكِّينًا يَعْمَلُ لَهُ نِصَابًا فَضَاعَ الْمُصْحَفُ أَوْ السِّكِّينُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِمَا بَلْ فِي غَيْرِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ) كَالْوُقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْغُرَرِ وَالْإِصْلَاحِ، فَكُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَإِنْ شَرَطَهُ.

وَأَمَّا الْقُدُورِيُّ وَالْهِدَايَةُ وَالْكَنْزُ وَالْمَجْمَعُ فَأَطْلَقُوا عَدَمَ الضَّمَانِ فَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ ضَمَانَهُ ضَمِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>