للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَقِيلَ إنَّ الْأَجِيرَ مُصْلِحًا لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ بِخِلَافِهِ يَضْمَنُ، وَإِنْ مَسْتُورَ الْحَالِ يُؤْمَرُ بِالصُّلْحِ عِمَادِيَّةٌ.

قُلْتُ: وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ؟ حُرِّرَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ نَعَمْ كَمَنْ تَمَّتْ مُدَّتُهُ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّيَّةِ تَبْقَى الْإِجَارَةُ بِالْجَبْرِ

(وَ) يَضْمَنُ (مَا هَلَكَ بِعَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلِقِ الْحَمَّالِ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ) مِنْ مَدِّهِ جَاوَزَ الْمُعْتَادَ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْحَجَّامِ

ــ

[رد المحتار]

إجْمَاعًا ح. وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَعَزَاهُ ابْنُ مَلِكٍ لِلْجَامِعِ (قَوْلُهُ وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ) أَيْ عَمَلًا بِالْقَوْلَيْنِ وَمَعْنَاهُ عَمِلَ فِي كُلِّ نِصْفٍ بِقَوْلٍ حَيْثُ حَطَّ النِّصْفَ وَأَوْجَبَ النِّصْفَ بَزَّازِيَّةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. قَالَ الزَّاهِدِيُّ: عَلَى هَذَا أَدْرَكْتُ مَشَايِخَنَا بِخُوَارِزْمَ وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ والأوزجندي وَأَئِمَّةُ فَرْغَانَةَ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ الْأَجِيرُ مُصْلِحًا إلَخْ) عَزَاهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَى فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصُّلْحِ. (قَوْلُهُ حُرِّرَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ نَعَمْ) حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَصِحُّ الصُّلْحُ جَبْرًا.

قُلْتُ: الْإِجَارَةُ عَقْدٌ يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ بَقَاءً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ سَفِينَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً وَانْقَضَتْ مُدَّتُهَا فِي وَسْطِ الْبَرِّيَّةِ أَوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ فَإِنَّهَا تَبْقَى الْإِجَارَةُ بِالْجَبْرِ وَلَا يَجْرِي الْجَبْرُ فِي ابْتِدَائِهَا، وَهَذِهِ الْحَالَةُ حَالَةُ الْبَقَاءِ فَيَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ اهـ.

قُلْتُ: هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مَذْكُورَانِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْحَرْفِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي الْجَوَابِ، ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبَعْضُهُمْ أَفْتَوْا بِالصُّلْحِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُمَا: وَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ فِي الْعَوْنِ رُبَّمَا لَا يَقْبَلَانِ: أَيْ الْأَجِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الصُّلْحَ فَاخْتَرْتُ قَوْلَ الْإِمَامِ، لِمَا قُلْنَا إنَّ الصُّلْحَ مَجَازٌ عَنْ الْحَطِّ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَأَئِمَّةُ سَمَرْقَنْدَ أَفْتَوْا بِجَوَازِ الصُّلْحِ بِلَا جَبْرٍ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فِي الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ حَطَّ النِّصْفَ وَأَوْجَبَ النِّصْفَ فَإِنَّ الْإِيجَابَ جَبْرِيٌّ وَالصُّلْحَ فِيهِ مَجَازٌ عَنْ الْحَطِّ كَمَا عَلِمْتَ، وَهَذَا قَوْلُ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَأَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ وَفَرْغَانَةَ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَئِمَّةِ سَمَرْقَنْدَ، فَمَا فِي الْمِنَحِ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الْإِمَامَ ظَهِيرَ الدِّينِ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِالْجَبْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ مَهْجُورٌ، إلَّا أَنْ يَنْقُلَ الرُّجُوعَ عَنْ كُلِّ مَنْ قَالَ بِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ تَبْقَى الْإِجَارَةُ بِالْجَبْرِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَافُ ط، وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِعَمَلِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْفَى بِالْمَنْفَعَةِ بَلْ بِالْمَضَرَّةِ. بَدَائِعُ، وَعَمَلُ أَجِيرِهِ مُضَافٌ إلَيْهِ فَيَضْمَنُهُ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرُ وَحْدٍ لَهُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخَرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ مِنْ دَقِّهِ) أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَجِيرِهِ، فَلَوْ اسْتَعَانَ بِرَبِّ الثَّوْبِ فَتَخَرَّقَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ دَقٍّ فَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ لِلشَّكِّ، وَعَنْ الثَّانِي يَضْمَنُ نِصْفَ النُّقْصَانِ كَمَا لَوْ تَمَسَّكَ بِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْأَجْرِ فَجَذَبَهُ صَاحِبُهُ فَتَخَرَّقَ حَمَوِيٌّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مُلَخَّصًا.

قَالَ فِي التَّبْيِينِ: ثُمَّ صَاحِبُ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ ضَمِنَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ مَعْمُولًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ ط مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَزَلَقِ الْحَمَّالِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ الْحَمَّالُ عَلَى ظَهْرِهِ مَثَلًا، أَمَّا بِالْجِيمِ فَعَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ جَمَلُ الْجَمَّالِ. قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى: أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ زَحْمَةِ النَّاسِ، فَلَوْ مِنْهَا لَمْ يَضْمَنْ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. قَالَ: وَكَذَا يَضْمَنُ لَوْ سَاقَ الْمُكَارِي دَابَّتَهُ فَعَثَرَتْ فَسَقَطَتْ الْحُمُولَةُ اهـ وَكَذَا يَضْمَنُ بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي كَمَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ فَانْقَطَعَ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي التتارخانية: وَفِي الْبَدَائِعِ: وَكَذَا يَضْمَنُ الرَّاعِ الْمُشْتَرَكُ إذَا سَاقَ الدَّوَابَّ عَلَى السُّرْعَةِ فَازْدَحَمَتْ عَلَى الْقَنْطَرَةِ أَوْ الشَّطِّ فَدَفَعَ بَعْضُهَا بَعْضًا فَسَقَطَتْ فِي الْمَاءِ أَوْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ بِسَوْقِهِ أَوْ ضَرْبِهِ وَلَوْ مُعْتَادًا. (قَوْلُهُ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهِ) قَيَّدَ بِالْمَدِّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ غَرِقَتْ مِنْ رِيحٍ أَوْ مَوْجٍ أَوْ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهَا أَوْ صَدْمِ جَبَلٍ فَهَلَكَ مَا فِيهَا لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قُلْتُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ مَا سَارَتْ السَّفِينَةُ قَبْلَ الْغَرَقِ بِحَاسِبِهِ وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>