للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الظَّالِمُ: بِعْ كَذَا فَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا فِيهِ بَزَّازِيَّةٌ.

(خَوَّفَهَا الزَّوْجُ بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا لَمْ تَصِحَّ) الْهِبَةُ (إنْ قَدَرَ الزَّوْجُ عَلَى الضَّرْبِ) وَإِنْ هَدَّدَهَا بِطَلَاقٍ أَوْ تَزَوُّجٍ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرٍّ فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ خَانِيَّةٌ وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: مَنَعَ امْرَأَتَهُ الْمَرِيضَةَ عَنْ الْمَسِيرِ إلَى أَبَوَيْهَا إلَّا أَنْ تَهَبَهُ مَهْرَهَا فَوَهَبَتْهُ بَعْضَ الْمَهْرِ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهَا كَالْمُكْرَهِ.

قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: وَهِيَ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبِكْرَ مِنْ رَجُلٍ فَلَمَّا أَرَادَتْ الزِّفَافَ مَنَعَهَا الْأَبُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مِنْهُ مِيرَاثَ أُمِّهَا فَأَقَرَّتْ ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بِالزِّفَافِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى الْمُكْرَهَةِ وَبِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ فِي بَحْثِ الْهِبَةِ.

(الْمُكْرَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ) مَا أَخَذَهُ (إذَا نَوَى) الْآخِذُ وَقْتَ الْأَخْذِ (أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِلَّا يَضْمَنُ وَإِذَا اخْتَلَفَا) أَيْ الْمَالِكُ وَالْمُكْرَهُ (فِي النِّيَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرَهِ مَعَ يَمِينِهِ) وَلَا يَضْمَنُ مُجْتَبًى. وَفِيهِ الْمُكْرَهُ عَلَى الْأَخْذِ وَالدَّفْعِ إنَّمَا يَبِيعُهُ مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَهُ الْمُكْرِهُ، وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ وَالْإِلْجَاءِ بِالْبُعْدِ مِنْهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَعْوَانِ الظَّلَمَةِ فِي الْأَخْذِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَمِيرِ أَوْ رَسُولِهِ فَلْيُحْفَظْ. [فُرُوعٌ] :

أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ نَفْسِهِ إنْ جَائِعًا لَا رُجُوعَ

ــ

[رد المحتار]

أَيْضًا مِنْ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَإِلَّا نَفَذَ الْبَيْعُ كَمَا مَرَّ مَتْنًا. (قَوْلُهُ: فَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا فِيهِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْهُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: بِالضَّرْبِ) قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِالْمُتْلِفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ جَائِزٌ شَرْعًا وَالْأَفْعَالُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تُوصَفُ بِالْإِكْرَاهِ ط. قُلْت: نَعَمْ وَلَكِنْ يُدْخِلُ عَلَيْهَا غَمًّا يُفْسِدُ صَبْرَهَا، وَيُظْهِرُ عُذْرَهَا وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ يَفْسُدُ بِمَا يُوجِبُ غَمًّا بِعَدَمِ هَذِهِ الرِّضَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَهُ، فَإِنَّ مَنْعَ الْمَرِيضَةِ عَنْ أَبَوَيْهَا وَمَنْعَ الْبِكْرِ عَنْ الزِّفَافِ لَا يَغُمُّهَا أَكْثَرَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَكِنْ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ مَعَ النَّقْلِ. هَذَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ " الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ " أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْأَمْرِ حَيْثُ كَانَتْ تَخْشَى مِنْهُ الْأَذَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ) وَكَذَلِكَ الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَظَمَهُ فِي فَتَاوَاهُ بِقَوْلِهِ:

وَمَانِعُ زَوْجَتِهِ عَنْ أَهْلِهَا ... لِتَهَبَ الْمَهْرَ يَكُونُ مُكْرِهًا

كَذَاكَ مَنْعُ وَالِدٍ لِبِنْتِهِ ... خُرُوجَهَا لِبَعْلِهَا مِنْ بَيْتِهِ

ثُمَّ قَالَ: وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْإِجَارَةَ كَالْإِقْرَارِ وَالْهِبَةِ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَبِ لِلْعِلَّةِ الشَّامِلَةِ فَلَيْسَ قَيْدًا، وَكَذَلِكَ الْبَكَارَةُ لَيْسَتْ قَيْدًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي دِيَارِنَا مِنْ أَخْذِ مُهُورِهِنَّ كَرْهًا عَلَيْهِنَّ حَتَّى مِنْ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ بَعُدَ وَإِنْ مَنَعَتْ أَضَرَّ بِهَا أَوْ قَتَلَهَا اهـ.

(قَوْلُهُ: الْمُكْرَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِعَلَى ط. (قَوْلُهُ: لَا يَضْمَنُ) بَلْ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرَهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ وَمِثْلُهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْهِبَةِ وَقَالَ: قَبَضْتُهَا لِأَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَهُ الْمُكْرِهُ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ لِيَفْعَلَ فَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ إنْ ظَفِرَ بِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحِلَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الْآمِرِ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ كَانَ فِي سَعَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ هَدَّدَهُ بِالْحَبْسِ أَوْ الْقَيْدِ لَمْ يَسَعْهُ الْإِقْدَامُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ وَالْإِلْجَاءِ بِالْبَعْدِ) لَكِنْ يَخَافُ عَوْدَهُ وَبِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: إنْ جَائِعًا لَا رُجُوعَ) فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ بِمَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ لِلْغَيْرِ حَيْثُ يَضْمَنُ الْآمِرُ مَعَ أَنَّ النَّفْعَ لِلْمَأْمُورِ. قُلْت: هُنَاكَ أَكَلَ طَعَامَ الْآمِرِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَكْلِ إكْرَاهٌ عَلَى الْقَبْضِ، لِعَدَمِ إمْكَانِهِ بِدُونِهِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ وَقَالَ لَهُ: كُلْ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْآمِرِ غَاصِبًا قَبْلَ الْأَكْلِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ فَمِهِ فَصَارَ آكِلًا طَعَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>