وَالْقَوْلُ لَهُ اسْتِحْسَانًا.
قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَلَى النَّوَازِلِ خِلَافَهُ فَلَعَلَّهُ قِيَاسٌ فَتَأَمَّلْ.
(أَكْرَهَ الْقَاضِي رَجُلًا لِيُقِرَّ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ أَوْ) لِيُقِرَّ (بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ قُتِلَ) عَلَى مَا ذُكِرَ (إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مَوْصُوفًا بِالصَّلَاحِ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَاضِي وَإِنْ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ مَعْرُوفًا بِهَا وَبِالْقَتْلِ لَا) يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِلشُّبْهَةِ خَانِيَّةٌ.
(قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَشْرَبَ هَذَا الشَّرَابَ أَوْ تَبِيعَ كَرْمَكَ فَهُوَ إكْرَاهٌ إنْ كَانَ شَرَابًا لَا يَحِلُّ) كَالْخَمْرِ (وَإِلَّا فَلَا) قُنْيَةٌ قَالَ: وَكَذَا الزِّنَا وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ.
(صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَهُ صَحَّ) لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ: مِنْ أَيْنَ أُعْطِي وَلَا مَالَ لِي؟ فَإِذَا
ــ
[رد المحتار]
ذَكَرَ الضَّمِيرَ، لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّلَفُّظُ اللِّسَانِيُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ، أَلَا تَرَى لَوْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَا يُكَفَّرُ، وَفِي اعْتِقَادِهِ الْكُفْرَ شَكٌّ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لَوْ ادَّعَتْ تَبَدُّلَ اعْتِقَادِهِ وَأَنْكَرَ هُوَ فَالْقَوْلُ لَهُ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفُرْقَةِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ، وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ، فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا عَنْ النَّوَازِلِ إلَخْ) الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ النَّوَازِلِ أَنَّهُ إنْ وَرَّى بَانَتْ قَضَاءً فَقَطْ وَإِلَّا مَعَ خُطُورِهَا بِبَالِهِ بَانَتْ دِيَانَةً أَيْضًا. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ بَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ أَصْلًا وَأَتَى بِمَا أُكْرِهَ بِهِ مُطْمَئِنًّا، فَلَا بَيْنُونَةَ وَلَا كُفْرَ أَصْلًا وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا مُنَافَاةَ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: أَكْرَهَ الْقَاضِي) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي الْعَادَةِ وَإِلَّا فَكُلُّ مُتَغَلِّبٍ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِمُلْجِئٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّجْرِيدِ: أُكْرِهَ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى يُقِرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ خَلَّاهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَأَقَرَّ بِهِ إقْرَارًا مُسْتَقْبَلًا أُخِذَ بِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذُكِرَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى إقْرَارِهِ مُكْرَهًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مُتَّهَمًا إلَخْ) أَيْ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ هِنْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا) وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ، كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ أَنَّهُ فَعَلَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: قِيلَ لَهُ إلَخْ) أَيْ أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ عَلَى فِعْلِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ إكْرَاهٌ) أَيْ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الشُّرْبِ قَطْعِيَّةٌ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالْبَيْعِ تَأَمَّلْ. وَهَلْ يَسَعُهُ الشُّرْبُ، وَتَرْكُ الْبَيْعِ؟ الظَّاهِرُ: نَعَمْ لِأَنَّ الشُّرْبَ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ لَا يَأْثَمُ، لِأَنَّهُ لَوْ صَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ، وَلَمْ يُتْلِفْ مَالَ نَفْسِهِ يَكُونُ شَهِيدًا فَلَأَنْ لَا يَأْثَمَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ إبْطَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَانَ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الزِّنَا وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ) أَيْ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الزِّنَا وَنَحْوِهِ فَبَاعَ يَكُونُ مُكْرَهًا، وَهَذَا فِي التَّرْدِيدِ بَيْنَ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَوْ رَدَّدَ لَهُ بَيْنَ مُحَرَّمَيْنِ أَوْ غَيْرِ مُحَرَّمَيْنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ عَلَى كُفْرٍ أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُقَدْ اسْتِحْسَانًا، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ إجْرَاءُ الْكُفْرِ مُطْمَئِنًّا، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلُ يُقْتَلُ وَقِيلَ لَا، وَلَوْ عَلَى قَتْلٍ أَوْ زِنًا لَا يَفْعَلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلًّا لَا يُبَاحُ بِالضَّرُورَةِ، فَإِنْ زَنَى لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ قَتَلَ يُقْتَلُ الْآمِرُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُكْرَهًا وَلَوْ عَلَى قَتْلٍ أَوْ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لَهُ أَنْ لَا يُتْلِفَ وَلَوْ الْمَالُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ لَا مُبَاحٌ. فَإِنْ قَتَلَ يُقْتَلُ بِهِ إذْ لَا يُرَخَّصُ، وَإِنْ أَتْلَفَ ضَمَّنَ الْآمِرَ وَلَوْ عَلَى طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ عِتْقٍ غَرِمَ الْآمِرُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ طَالَبَهُ بِأَخْذِ مَالِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: صَادَرَهُ عَلَى كَذَا طَالَبَهُ بِهِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ) أَيْ الْبَيْعِ إذْ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ) أَيْ لِيَكُونَ بَيْعُهُ فَاسِدًا وَلَا بُدَّ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute