للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ أُخِّرَ لِعِتْقِهِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَتَأَمَّلْ.

(وَسَبَبُهُ صِغَرٌ وَجُنُونٌ) يَعُمُّ الْقَوِيَّ وَالضَّعِيفَ كَمَا فِي الْمَعْتُوهِ وَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَأْذُونِ (وَرِقٌّ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَغْلُوبٍ) أَيْ لَا يُفِيقُ بِحَالٍ وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ نِهَايَةٌ (وَ) لَا (إعْتَاقُهُمَا

ــ

[رد المحتار]

وَالْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْإِشْكَالِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تُؤْتَى فِي صَدْرِ جَوَابٍ فِيهِ ضَعْفٌ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّتَهُ. (قَوْلُهُ: الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ الْأَصْلُ فِي فِعْلِهِ النَّفَاذُ فِي الْحَالِ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ) أَيْ النَّفَاذَ أُخِّرَ لِعِتْقِهِ أَيْ لِوَقْتِ عِتْقِهِ أَوْ إلَيْهِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى.

(قَوْلُهُ: وَسَبَبُهُ صِغَرٌ وَجُنُونٌ) اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ بَعْضَ الْبَشَرِ ذَوِي النُّهَى، وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَعْلَامَ الدِّينِ وَأَئِمَّةَ الْهُدَى وَمَصَابِيحَ الدُّجَى، وَابْتَلَى بَعْضَهُمْ بِمَا شَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الرَّدَى كَالْجُنُونِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ الْمُوجِبَيْنِ لِنُقْصَانِهِ، فَجَعَلَ تَصَرُّفَهُمَا غَيْرَ نَافِذٍ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُعَامَلَتُهُمَا ضَرَرًا عَلَيْهِمَا بِأَنْ يَسْتَجِرَّ مَنْ يُعَامِلُهُمَا مَالَهُمَا بِاحْتِيَالِهِ الْكَامِلِ، وَجَعَلَ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِمَا خَاصًّا كَالْأَبِ وَعَامًّا كَالْقَاضِي، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ النَّظَرَ لَهُمَا، وَجَعَلَ الصِّبَا وَالْجُنُونَ سَبَبًا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمَا كُلَّ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا، وَالرِّقُّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ غَيْرَ أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَجْلِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالْإِنْسَانُ إذَا مُنِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالْحُرِّ، لَا يُقَالُ إنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا يُؤْخَذُ الْعَبْدُ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى وَلِعَدَمِ نُفُوذِهِ فِي الْحَالِ، وَتَأَخُّرُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ جَعَلَهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَعُمُّ الْقَوِيَّ وَالضَّعِيفَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ سَبَبَ الْحَجْرِ هُوَ مُطْلَقُ الْجُنُونِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ، وَأَرَادَ بِالْقَوِيِّ الْمُطْبِقَ وَبِالضَّعِيفِ غَيْرَهُ، أَوْ أَرَادَ بِالْقَوِيِّ الْقِسْمَيْنِ وَبِالضَّعِيفِ الْعَتَهَ فَقَوْلُهُ " كَمَا فِي الْمَعْتُوهِ " الْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَلِلتَّمْثِيلِ عَلَى الثَّانِي تَأَمَّلْ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْمَعْتُوهِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ) أَيْ حُكْمُ الْمَعْتُوهِ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ صَبِيٍّ) أَيْ وَلَوْ مُمَيِّزًا. (قَوْلُهُ: وَمَجْنُونٍ مَغْلُوبٍ إلَخْ) قَدْ يُذْكَرُ هَذَا الْقَيْدُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ، فَيُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَنْ صَارَ مَغْلُوبًا لِلْجُنُونِ، بِحَيْثُ لَا يُفِيقُ أَيْ لَا يَزُولُ عَنْهُ مَا بِهِ مِنْ الْجُنُونِ قَوِيًّا كَانَ أَوْ ضَعِيفًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَعْتُوهُ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مَا يَأْتِي فَمَنْ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَعْتُوهِ فَقَدْ وَهِمَ لِظَنِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْكَلَامَيْنِ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ كَذَا أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ) وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ حَيْثُ فَسَّرَ الْمَغْلُوبَ بِاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ أَصْلًا ثُمَّ قَالَ: وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ عَلَى مَا يَجِيءُ فَيَتَوَقَّفُ إلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ اهـ وَهَذَا هُوَ الْمَعْتُوهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ، وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ كَالْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَبِهِ اعْتَرَضَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَلَى الدُّرَرِ، فَلَا تَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا الرَّحْمَتِيُّ وَالسَّائِحَانِيُّ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَامَّ الْعَقْلِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ تَامَّ الْعَقْلِ، وَوَفَّقَ الشَّلَبِيُّ فِي حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ، وَمَا فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ: أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَا يَتَحَقَّقُ صَحْوُهُ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَحُلُّ عُقْدَةَ الْإِشْكَالِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>