فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِعِ وَالْآخِذِ.
(وَلَا يُحْجَرُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِسَفَهٍ) هُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ وَتَضْيِيعُهُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوْ الْعَقْلِ دُرَرٌ وَلَوْ فِي الْخَيْرِ كَأَنْ يَصْرِفَهُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُحْجَرَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَتَمَامُهُ فِي فَوَائِدَ شَتَّى فِي الْأَشْبَاهِ (وَفِسْقٍ وَدَيْنٍ) وَغَفْلَةٍ (بَلْ) يُمْنَعُ (مُفْتٍ مَاجِنٌ) يُعَلِّمُ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ كَتَعْلِيمِ الرِّدَّةِ لِتَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ لِتُسْقِطَ عَنْهَا الزَّكَاةَ (وَطَبِيبٌ جَاهِلٌ وَمُكَارٍ مُفْلِسٌ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ وَدِيعَةً. (قَوْلُهُ: فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِعِ أَوْ الْآخِذِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ " وَهِيَ مِنْ مُشْكِلَاتِ إيدَاعِ الصَّبِيِّ. وَأَجَابَ فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا التَّسْلِيطُ مِنْ مَالِكِهَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيطُ بِنَفْسِ الدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ.
قُلْت: مَدْفُوعٌ إذْ لَوْ دَفَعَهُ الْمَالِكُ إلَى الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَضْمِينُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُحْجَرُ حُرٌّ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى حُرٍّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَجْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ لَا يَجُوزُ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ وَالْفِسْقِ وَالْغَفْلَةِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِغَيْرِ الْفِسْقِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بِالْكُلِّ كِفَايَةٌ، وَأَمَّا الْحَجْرُ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَأَخَوَيْهِ فَلَيْسَ بِحَجْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ كَمَا يَأْتِي وَظَاهِرُ الدُّرَرِ أَنَّ عِنْدَهُمَا أَيْضًا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ هُنَا مُجْمَلٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: هُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ إلَخْ) فَارْتِكَابُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّفَهِ الْمُصْطَلَحِ فِي شَيْءٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ رَشِيدًا ثُمَّ سَفِهَ لِمَا يَأْتِي مَتْنًا أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوْ الْعَقْلِ) كَالتَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَاتٍ لَا لِغَرَضٍ أَوْ لِغَرَضٍ لَا يَعُدُّهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ غَرَضًا كَدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُغَنِّينَ وَاللَّعَّابِينَ وَشِرَاءِ الْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ وَالْغَبْنِ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ مَحْمَدَةٍ. وَأَصْلُ الْمُسَامَحَاتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ مَشْرُوعٌ إلَّا أَنَّ الْإِسْرَافَ حَرَامٌ كَالْإِسْرَافِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ تَعَالَى {إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: ٦٧] كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا) مُسْتَدْرَكٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ التَّفْرِيعِ أَيْضًا ح. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ إلَخْ) هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْكِفَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِسْقٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرِ مَالٍ فَإِنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا لِمَالِهِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَدَيْنٍ) وَإِنْ زَادَ عَلَى مَالِهِ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَاضِي الْحَجْرَ عَلَيْهِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَغَفْلَةٍ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْعَاقِلِ بِسَبَبِ غَفْلَةٍ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّائِجَةِ فَيُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُمْنَعُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ، لِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ أَفْتَى بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَصَابَ جَازَ، وَكَذَا الطَّبِيبُ لَوْ بَاعَ الْأَدْوِيَةَ نَفَذَ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: مَاجِنٌ) قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ مَجَنَ الشَّيْءُ يَمْجُنُ مُجُونًا إذَا صَلُبَ وَغَلُظَ وَقَوْلُهُمْ رَجُلٌ مَاجِنٌ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ غِلَظِ الْوَجْهِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: كَتَعْلِيمِ الرِّدَّةِ إلَخْ) وَكَاَلَّذِي يُفْتِي عَنْ جَهْلٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَطَبِيبٌ جَاهِلٌ) بِأَنْ يَسْقِيَهُمْ دَوَاءً مُهْلِكًا وَإِذَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ ضَرَرِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمُكَارٍ مُفْلِسٌ) بِأَنْ يُكْرِيَ إبِلًا وَلَيْسَ لَهُ إبِلٌ وَلَا مَالٌ لِيَشْتَرِيَهَا بِهِ، وَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْخُرُوجِ يُخْفِي نَفْسَهُ جَوْهَرَةٌ فَمَنْعُ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ لِلْأَدْيَانِ وَالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ دَفْعُ إضْرَارٍ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ، فَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ قِيلَ وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةٌ أُخْرَى: الْمُحْتَكِرُ، وَأَرْبَابُ الطَّعَامِ إذَا تَعَدَّوْا فِي الْبَيْعِ بِالْقِيمَةِ، وَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَبْدًا لِذِمِّيٍّ وَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ بَاعَهُ الْقَاضِي اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute