مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ (وَهُوَ يَعْقِلُهُ) يَعْرِفُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ (أَجَازَ وَإِلَيْهِ، أَوْ رَدَّ) وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْهُ فَبَاطِلٌ نِهَايَةٌ.
(وَإِنْ أَتْلَفُوا) أَيْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ سَوَاءٌ عَقَلُوا أَوْ لَا دُرَرٌ (شَيْئًا) مُقَوَّمًا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ (ضَمِنُوا) إذْ لَا حَجْرَ فِي الْفِعْلِيِّ لَكِنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا مَرَّ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الْمَالِ لِلْحَالِ وَإِذَا قَتَلَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: لَوْ أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ وَمَا أُعِيرَ لَهُ وَمَا بِيعَ مِنْهُ بِلَا إذْنٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيدَاعِهِ مَا إذَا أَوْدَعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ - وَهِيَ مِلْكُ غَيْرِهِمَا -
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ) الْمُرَادُ الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: ١١] وَالْمُرَادُ أَخَوَانِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ الَّذِي يُفِيقُ جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: يَعْرِفُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْمَأْذُونِ قَيْدٌ آخَرُ وَزَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي شَاهَانْ: وَمِنْ عَلَامَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ إذَا أَعْطَى الْحَلْوَانِيَّ فُلُوسًا فَأَخَذَ الْحَلْوَى وَبَقِيَ يَقُولُ: أَعْطِنِي فُلُوسِي وَإِنْ ذَهَبَ وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْفُلُوسَ فَهُوَ عَاقِلٌ اهـ. (قَوْلُهُ: أَجَازَ وَلِيُّهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ جَوْهَرَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْوَلِيِّ آخِرَ الْمَأْذُونِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ إذْنُ الْقَاضِي وَإِنْ أَبَى الْأَبُ.
(قَوْلُهُ: أَيْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ) صَوَابُهُ الْمَحْجُورُونَ. (قَوْلُهُ: ضَمِنُوا) فَلَوْ أَنَّ ابْنَ يَوْمٍ انْقَلَبَ عَلَى قَارُورَةِ إنْسَانٍ مَثَلًا فَكَسَرَهَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الْعَبْدُ وَالْمَجْنُونُ إذَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ فِي الْحَالِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْكَافِي عَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ) يَعْنِي فِي إتْلَافِهِ الْمَالَ أَمَّا فِي النَّفْسِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ إنْ جَنَى عَلَى النَّفْسِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَيَدْفَعُ أَوْ يَفْدِي إنْ جَنَى عَلَيْهَا بِمَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ جَنَى عَلَى الطَّرَفِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ح. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الْبَدَائِعِ وَعَلِمْت أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا ط وَالسَّائِحَانِيُّ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ لِمَا فِي الْغَايَةِ: إذَا كَانَ الْغَصْبُ ظَاهِرًا يَضْمَنُ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ فِيهِ، وَلَوْ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعِتْقِ كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ. (قَوْلُهُ: مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ) هَذَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّكْلِيفِ لِأَنَّ الْخِطَابَ نَوْعَانِ خِطَابُ وَضْعٍ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَتَلَ) أَيْ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالْحَجْرِ فِي هَذِهِ احْتِرَازِيًّا حَتَّى لَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَبُو السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسَائِلَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيَضْمَنُ أَيْ فَلَا يَضْمَنُ فِي هَذِهِ، لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ الْمَالِكِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْأَشْبَاهِ. لَكِنْ فِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهَا ضَمَانُ عَقْدٍ عِنْدَهُمَا، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ إلْزَامِ الضَّمَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ضَمَانُ فِعْلٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْفِعْلِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالصَّبِيُّ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ اهـ فَتَأَمَّلْ وَسَنَذْكُرُ لَهُ تَتِمَّةً آخِرَ كِتَابِ الْمَأْذُونِ. (قَوْلُهُ: لَوْ أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ) أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ، وَفِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: هُوَ ضَامِنٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِيرِيٌّ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِنَقْلِ الْخِلَافِ لَا لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَأَمَّلْ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ: وَلَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا سَبْقِ إيدَاعٍ أَوْ إقْرَاضٍ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا أَتْلَفَ مَا أُودِعَ عِنْدَ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَأَطْلَقَ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي الْوَدِيعَةِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَاسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ إجْمَاعًا بِيرِيٌّ عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: صَبِيٌّ مَحْجُورٌ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْقِيمَةُ وَلَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَا يَضْمَنُ اهـ.
قُلْت: وَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ الضَّمَانَ إجْمَاعًا عَلَى الْعَاقِلَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ فَلَوْ أَذِنَ وَلِيُّهُ فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمُصَفَّى أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيدَاعِهِ إلَخْ) يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا كَانَتْ عَبْدًا بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: مِثْلَهُ) أَيْ صَبِيًّا مَحْجُورًا وَهُوَ - بِالنَّصْبِ - مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لِ أَوْدَعَ وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute