حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُدَّةِ (وَبَعْدَهُ يُسَلَّمُ إلَيْهِ) وُجُوبًا يَعْنِي لَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ ضَمِنَ وَقَبْلَ طَلَبِهِ لَا ضَمَانَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَشِيدًا) وَقَالَا: لَا يُدْفَعُ حَتَّى يُؤْنَسَ رُشْدُهُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ (وَالرُّشْدُ) الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] (هُوَ كَوْنُهُ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ فَقَطْ) وَلَوْ فَاسِقًا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
(وَالْقَاضِي يَحْبِسُ الْحُرَّ الْمَدْيُونَ لِيَبِيعَ مَالَهُ لِدَيْنِهِ وَقَضَى دَرَاهِمَ دَيْنِهِ مِنْ دَرَاهِمِهِ) يَعْنِي بِلَا أَمَرَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ دَنَانِيرَ (وَبَاعَ دَنَانِيرَهُ بِدَرَاهِمِ دَيْنِهِ وَبِالْعَكْسِ اسْتِحْسَانًا) لِاتِّحَادِهِمَا فِي الثَّمَنِيَّةِ (لَا) يَبِيعُ الْقَاضِي (عَرَضَهُ وَلَا عَقَارَهُ) لِلدَّيْنِ
ــ
[رد المحتار]
الْوَصِيُّ، وَلَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَهُوَ صَبِيٌّ مُصْلِحٌ وَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ مَعْزُوًّا للولوالجية: وَكَمَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَهُوَ مُفْسِدٌ فَكَذَا قَبْلَ ظُهُورِ رُشْدِهِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ اهـ.
وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّلَبِيُّ: عَمَّنْ بَلَغَتْ وَعَلَيْهَا وَصِيٌّ هَلْ يَثْبُتُ رُشْدُهَا بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَمِثْلُهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ الْبَدَائِعِ لَا بَأْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَيَأْذَنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ لِلِاخْتِبَارِ فَإِنْ آنَسَ مِنْهُ رُشْدًا دَفَعَ إلَيْهِ الْبَاقِيَ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً) أَيْ مَا لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ لِأَنَّ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا هَذَا مَنْعٌ لِلتَّأْدِيبِ لَا حَجْرٌ صَحَّ التَّفْرِيعُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ضَمِنَ) أَيْ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ لِتَعَدِّيهِ فِي الْمَنْعِ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ فَمَنَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْكَشِفَ حَالُهُ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَصَلَاحِيَتُهُ بِالِاخْتِبَارِ فَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ فِي فَتَاوَاهُ: وَالْوَاجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ إلَّا بَعْدَ الِاخْتِبَارِ فَإِذَا مَنَعَهُ لِذَلِكَ كَانَ مَنْعًا لِوَاجِبٍ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَفِي الْخَانِيَّةِ مَا يَشْهَدُ لَهُ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَالَهُ شَيْخُنَا) يَعْنِي الرَّمْلِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَشِيدًا) لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ جَدًّا وَلِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ لِلتَّأْدِيبِ فَإِذَا بَلَغَ هَذَا السِّنَّ فَقَدْ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يُدْفَعُ) أَيْ وَإِنْ صَارَ شَيْخًا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) أَيْ مَا لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ، وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِي الضَّمَانِ عِنْدَهُمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بَعْدَمَا بَلَغَ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُفْسِدًا إلَّا عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ} [النساء: ٦] أَيْ عَرَفْتُمْ أَوْ أَبْصَرْتُمْ ذَكَرَهُ الْبَكْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ط. (قَوْلُهُ: هُوَ كَوْنُهُ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ) هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْبِيرِيِّ عَنْ النُّتَفِ: الرَّشِيدُ عِنْدَنَا أَنْ يُنْفِقَ فِيمَا يَحِلُّ وَيُمْسِكَ عَمَّا يَحْرُمُ وَلَا يُنْفِقَهُ فِي الْبَطَالَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَلَا يَعْمَلَ فِيهِ بِالتَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ لَا فِي دِينِهِ أَيْضًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاسِقًا) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ فَقَطْ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْفِسْقَ الْأَصْلِيَّ وَالطَّارِئَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا لِمَالِهِ.
(قَوْلُهُ: لِيَبِيعَ مَالَهُ) أَطْلَقَ الْمَالَ فَشَمِلَ الْمَرْهُونَ وَالْمُؤَجَّرَ وَالْمُعَارَ؛ وَكُلَّ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ رَمْلِيٌّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا لِأَنَّهُ بِحَقٍّ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ إذْ هُوَ ظَالِمٌ بِالْمَنْعِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي بِلَا أَمْرِهِ) لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَدِينِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ مَالِهِ وَدَيْنِهِ وَفِي نُسَخٍ: كَانَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ. (قَوْلُهُ: لِاتِّحَادِهِمَا فِي الثَّمَنِيَّةِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، وَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ مَعَ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الصُّورَةِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحُكْمًا لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ. فَبِالنَّظَرِ لِلِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَبِالنَّظَرِ لِلِاخْتِلَافِ يُسْلَبُ عَنْ الدَّائِنِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ، لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَتَعَلَّقُ بِصُوَرِهَا وَأَعْيَانِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute