تَعْلِيقُ إبْطَالِهَا بِالشَّرْطِ جَائِزٌ.
لَهُ دَعْوَى فِي رَقَبَةِ الدَّارِ وَشُفْعَةٌ فِيهَا يَقُولُ هَذِهِ الدَّارُ دَارِي وَأَنَا أَدَّعِيهَا، فَإِنْ وَصَلَتْ إلَيَّ وَإِلَّا فَأَنَا عَلَى شُفْعَتِي فِيهَا.
اسْتَوْلَى الشَّفِيعُ عَلَيْهَا بِلَا قَضَاءٍ، إنْ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ عَالِمٍ لَا يَكُونُ ظَالِمًا
ــ
[رد المحتار]
وَلَا فِرَارًا مِنْ الشُّفْعَةِ عَلَى وَجْهِ التَّلْجِئَةِ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ وَهُوَ خَصْمٌ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا شُفْعَةَ وَإِلَّا ثَبَتَتْ لِأَنَّهُ ثَبَتَ كَوْنُهُ جَارًا مُلَازِقًا اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بَعْدَ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ: لَكِنْ إنْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ مَا كَانَ تَلْجِئَةً لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ، قَالَ: وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا أَرَادَ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إبْطَالَ الشُّفْعَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَلْجِئَةً اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ مُؤَيَّدِ زَادَهْ مَعْزُوًّا لِلْوَجِيزِ، وَبِهِ ظَهَرَ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا تَبَعًا لِلْأَشْبَاهِ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ هُوَ أَنْ يُظْهِرَا عَقْدًا لَا يُرِيدَانِهِ إلَخْ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا.
هَذَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ قَصَدَا حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فِرَارًا مِنْ الشُّفْعَةِ كَانَ بَيْعًا جَائِزًا، وَإِلَّا بَلْ أَظْهَرَاهُ لِلشَّفِيعِ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لِأَنَّهُ تَلْجِئَةٌ وَلِذَا يُجَابُ الشَّفِيعُ إلَى التَّحْلِيفِ لَوْ ادَّعَى الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَا يُحْتَالُ بِهِ لِإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ يَكُونُ تَلْجِئَةً وَإِلَّا بَطَلَ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ هَذَا فِرَارًا مِنْ الشُّفْعَةِ إلَخْ، فَمَنْ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ وَقَالَ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذِكْرِهِ ثُمَّ أَجَابَ بِمَا لَا يُجْدِي فَقَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْمَرَامُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلُهُ تَعْلِيقُ إبْطَالِهَا بِالشَّرْطِ جَائِزٌ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْت لَك الشُّفْعَةَ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِتَسْلِيمٍ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ اهـ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشُّرُوطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى اهـ.
قَالَ الطُّورِيُّ: وَقَدْ يُجَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَرْطٍ وَشَرْطٍ، فَمَا سَبَقَ فِي الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الشُّفْعَةِ وَالرِّضَا بِالْمُجَاوَرَةِ وَمَا هُنَا فِيمَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اهـ.
أَقُولُ: وَأَوْرَدَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ إسْقَاطِهِ بِالشَّرْطِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ لَا تَبْطُلُ. قَالَ: وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَسْلِيمَهَا لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ مَحْضٍ وَإِلَّا لَصَحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَعَامَّةِ الْإِسْقَاطَاتِ اهـ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ قَالَ قَبْلَ الْبَيْعِ إنْ اشْتَرَيْت فَقَدْ سَلَّمْتهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الصَّرْفِ فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ يَقُولُ هَذِهِ الدَّارُ دَارِي إلَخْ) لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى رَقَبَتَهَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَإِذَا ادَّعَى الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ دَعْوَاهُ فِي الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ السُّكُوتُ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ كَلَامٌ وَاحِدٌ، وَأَفَادَ أَبُو السُّعُودِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّلَبِ فَوْرًا، وَأَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ لَهُ الطَّلَبَ فِي مَجْلِسٍ عَلِمَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ رَقَبَتَهَا وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ فِيهِ إنْ مُنِعَ (قَوْلُهُ إنْ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ عَالِمٍ) بَحَثَ فِيهِ فِي الزَّوَاهِرِ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ إلَّا بَعْدَ الْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِيلَاءَهُ حَرَامٌ، وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُ الْعَالِمِ اهـ ح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute